(وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) له نعمه عليهم بالإيمان والهداية إلى أقوم السبل.
وفى الآية إرشاد إلى أن المصايب التي تحل بالإنسان لا مدخل لها فى كونه على حق أو باطل، فكثيرا ما يبتلى صاحب الحق بالمصائب والرزايا، وصاحب الباطل بالنعم والعطايا.
وفيها إيماء إلى أنا لا نعتمد فى معرفة الحق والخير على وجود المعلّم بحيث نتركهما عند موته، بل نسير على منهاجهما حين وجوده وبعد موته.
والخلاصة- إن الله أوجب علينا أن نستضىء بالنور الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أما ما يصيب جسمه من جرح أو ألم، وما يعرض له من حياة أو موت، فلا مدخل له فى صحة دعوته، ولا فى إضعاف النور الذي جاء به، فإنما هو بشر مثلكم خاضع لسنن الله كخضوعكم.
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا) أي ليس من شأن النفوس ولا من سنة الله فيها أن تموت بغير إذنه تعالى ومشيئته التي بها يجرى نظام الحياة وترتبط فيها الأسباب بالمسببات.
وقوله كتابا مؤجلا: أي أثبته الله مقرونا بأجل معين لا يتغير، ومؤقتا بوقت لا يتقدم ولا يتأخر، فكثير من الناس يتعرضون لأسباب المنايا بخوض غمرات الحروب، أو يتعرضون لعدوى الأمراض، أو يتصدون لأفاعيل الطبيعة، وهم مع ذلك لا يصابون بالأذى فالشجاع المقدام قد يسلم فى الحرب، ويقتل الجبان المتخلف ويفتك المرض بالشاب القوى، ويترك الضعيف الهزيل، وتغتال عوامل الأجواء الكهل المستوي وتتجاوز الشيخ الضعيف، فللأعمار آجال، وللآجال أقدار لا تخطوها، والأقدار هى السنن التي عليها تقوم نظم العالم وإن خفيت على بعض الناس، وإذا كان محيانا ومماتنا بإذن الله فلا محل للخوف والجبن، ولا عذر فى الوهن والضعف، ومما ينسب إلى علىّ قوله:
أىّ يومىّ من الموت أفرّ ... يوم لا يقدر أم يوم قدر