كما أن فى ذكر قولهم هذا دون ذكر ما فيه جزع وخور- تعريضا بأولئك المنهزمين من المسلمين يوم أحد.
(فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا) بالنصر على الأعداء، والظفر بالغنيمة، والسيادة فى الأرض، والكرامة والعزة وحسن الأحدوثة والذكر الحسن، وقد سمى ذلك ثوابا لأنه جزاء على الطاعة، وامتثال أوامر الله.
(وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) بنيل رضوان الله ورحمته، والقرب منه فى دار الكرامة، وقد فسّر بقوله تعالى:«فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» وقوله فى الخبر «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» وما حصلوا على ذلك إلا بما قدموا من صالح العمل الذي كان له أحسن الأثر فى نفوسهم فارتقت به إلى حظيرة القدس، وتخصيص الحسن بهذا الثواب إيذان بفضله، وأنه المعتدّ به عند الله، وأنه ثواب لا يشوبه أذى، فهو ليس كثواب الدنيا عرضة للأذى والمنغّصات.
وإنما جمع لهم بين الثوابين، لأنهم أرادوا بعملهم هاتين السعادتين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، كما هو شأن المؤمن «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» .
وهذه الآية وأشباهها حجة على الغالين فى الزهد الذين يتحرجون عن الاستمتاع بشىء من لذات الدنيا، ويعدون ذلك منافيا للتقوى، ومبعدا عن رضوان الله.
(وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) لأنهم هم الذين يقيمون سننه فى أرضه، ويظهرون بأنفسهم وأعمالهم أنهم جديرون بخلافة الله فيها، ولا تكون أعمالهم إلا بما يرضى الله، فهى من الله ولله.
وقد جاء فى الآية الترتيب هكذا- التوفيق على الطاعة، ثم الثواب عليها، ثم المدح على ذلك، إذ سماهم محسنين، ليكون فى ذلك توجيه للعبد ليعلم أن كل ذلك بعنايته تعالى وفضله.