فى السبيل التي يرضاها من تقرير العدل فى الأرض وحماية الحق وما يتبع ذلك ويلزمه.
والخلاصة- عليكم أن تعتبروا بحال أولئك الربيين وتصبروا كما صبروا، فإن دين الله واحد، وسنته فى خلقه واحدة، ومن ثم طلب إليكم أن تعرفوا عاقبة من سبقكم من الأمم، وتقتدوا بعمل الصادقين الصابرين منهم، وتقولوا مثل قول أولئك الربّيين.
وبعد أن بين سبحانه مفاخر أفعالهم أردفها بمحاسن أقوالهم فقال:
(وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي إن هؤلاء الربيين لم يكن لهم من قول عند اشتداد الخطوب ونزول الكوارث إلا الدعاء لربهم بأن يغفر لهم بجهادهم ما كانوا ألمّوا به من الذنوب، وتجاوزوا فيه حدود الشرائع، وأن يثبّت أقدامهم على الصراط القويم الذي هداهم إليه، حتى لا تزحزحهم الفتن ولا يعروهم الفشل والوهن حين مقابلة الأعداء، وأن ينصرهم على القوم الكافرين الذين يجحدون الآيات، ويعتدون على أهل الحق، فلا يمكنونهم من إقامة ميزان القسط، فما النصر إلا من عند الله يؤتيه من يشاء بمقتضى السنن التي هدى إليها خلقه، وألهمها عباده.
وفى هذا إيماء إلى أن الذنوب والإسراف فى الأمور من عوامل الخذلان، والطاعة والثبات والاستقامة من أسباب النصر والفلاح، ومن ثم سألوا ربهم أن يمحو من نفوسهم أثر الذنوب وأن يوفقهم إلى دوام الثبات حين تزلّ الأقدام. وقد قدموا طلب المغفرة من الذنوب على طلب النصر ليكون الدعاء فى حيز القبول، فإن الدعاء المقرون بالخضوع والطاعة الصادر عن زكاء وطهارة أقرب إلى الاستجابة.
وفى طلبهم النصر من الله مع كثرة عددهم التي دل عليها قوله:(رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) إعلام بأنهم لا يعوّلون على كثرة العدد بل يطلبون العون والمدد الروحاني من الله بثبات الأقدام والتمسك بأهداب الحق.