(وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) بذلك التمحيص الذي محا أثر الذنب من نفوسكم حتى صرتم كأنكم لم تفشلوا، وقد استبان أثر هذا العفو فيما بعد، كما حدث فى وقعة (حمراء الأسد) .
(وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي والله ذو فضل وطول على أهل الإيمان به وبرسوله، فيعفو عن كثير مما يستوجبون به العقوبة من الذنوب، ولا يذرهم على ما هم عليه من تقصير يهبط بنفوس بعض، وضعف يلمّ بآخرين، بل يمحص ما فى صدورهم حتى يكونوا من المخلصين الطائعين المخبتين.
(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) أي صرفكم عنهم حين أصعدتم أو ذهبتم منهزمين، لا تلتفتون من شدة الدهشة التي عرتكم، والذّعر الذي فجأكم.
وبينا أنتم فى هذه الحال إذا بالرسول يدعوكم من ورائكم وينادى، هلمّ إلىّ عباد الله، إلىّ عباد الله، أنا رسول الله، من يكر فله الجنة، وأنتم لا تسمعون ولا تنظرون، وقد كان لكم أسوة بالرسول، فتقتدون به فى الصبر والثبات.
(فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ) قال فى الأساس: إنه لفى غمّة من أمره: إذا لم يهتد للخروج منه، ومنه قوله تعالى:«لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً» والغم الأول ما حصل للصحابة رضوان الله عليهم بالهزيمة والقتل، والغم الثاني للرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة أمره، أي إنكم لما أذقتم الرسول غما بسبب عصيانكم أمره، أذاقكم الله غم الانهزام وقتل الأحباب.
والخلاصة- إنه أذاقكم هذا عوض هذا.
وقد يكون المعنى- جازاكم غما متصلا بغم من الإرجاف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الجرح والقتل وظفر المشركين بكم حتى صرتم من شدة الدهش يضرب بعضكم بعضا، وقد فاتتكم الغنيمة التي طمعتم فيها.
(لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) أي لأجل أن تمرنوا على تجرّع الغموم،