يستشيرهم فى كل مهمّ ما لم ينزل عليه فيه وحي، فإنه إذ ذاك لا بد من نفاذه، ولم يضع للنبى صلى الله عليه وسلم قواعد الشورى، لأنها تختلف باختلاف أحوال الأمة الاجتماعية، وبحسب الزمان والمكان، ولأنه لو وضع لها قواعد لاتخذها المسلمون دينا وحاولوا العمل بها فى كل زمان ومكان، ومن ثم قال الصحابة فى اختيار أبى بكر خليفة رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، إذ أمره بالإمامة فى الصلاة حين مرضه أفلا نرضاه لدنيانا؟
ولكن الخلفاء فيما بعد لم يتبعوا هذه السنة، ولا سيما زمن الدولة العباسية، إذ كان للأعاجم سلطان كبير فى ملكهم، ثم جرى على ذلك سائر الملوك من المسلمين فيما بعد، وجاراهم على ذلك علماء الدين، حتى ظن كثير من غير المسلمين أن السلطة فى الإسلام استبدادية، وأن الشورى اختيارية، ولكن هذا بعيد من الصواب، بعد أن صرح القرآن بالشورى وأمر نبيه بها وهو المعصوم عن الهوى وللشورى فوائد جمة منها:
(١) إنها تبين مقادير العقول والأفهام، ومقدار الحب والإخلاص للمصالح العامة.
(٢) إن عقول الناس متفاوتة وأفكارهم مختلفة، فربما ظهر لبعضهم من صالح الآراء ما لا يظهر لغيره وإن كان عظيما.
(٣) إن الآراء فيها تقلّب على وجوهها، ويختار الرأى الصائب من بينها.
(٤) إنه يظهر فيها اجتماع القلوب على إنجاح المسعى الواحد، واتفاق القلوب على ذلك مما يعين على حصول المطلوب، ومن ثم شرعت الاجتماعات فى الصلوات، وكانت صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة.
وعن الحسن رضي الله عنه: قد علم الله أن ما به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستنّ به من بعده،
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم»
وعن أبى هريرة رضي الله عنه: ما رأيت أحدا أكثر مشاورة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.