للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) أي بل هم أحياء فى عالم آخر غير هذا العالم، هو خير للشهداء، لما فيه من الكرامة والشرف عند الله، فليس القتل فى سبيله بضائرهم، إذا ما صاروا إليه خيرا مما كانوا فيه، فلو سلم أن الخروج للقتال سبب للقتل لما كان مثبّطا للمؤمنين عن الجهاد عند وجوبه، كما إذا هاجم المشركون المؤمنين فى مثل وقعة أحد، أو إذا فتن المسلمون عن دينهم ومنعوا من الدعوة إليه وإقامة شعائره، كما فعل مشركو العرب مع المسلمين زمن البعثة.

كيف والخروج إلى القتال كثيرا ما يكون سببا للسلامة، فإن الأمة التي لا تدافع عن نفسها يطمع فيها غيرها، وإذا هاجمها ظفر بها ونال منها ما يريد.

وهذه الحياة التي أثبتها القرآن الكريم للشهداء حياة غيبية لا ندرك حقيقتها، ولا نزيد على ما جاء به الوحى.

وقوله: يرزقون تأكيد لكونهم أحياء، وتحقيق لهذه الحياة.

(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي مسرورين بشرف الشهادة، والتمتع بالنعيم العاجل، والزّلفى عند ربهم، والفوز بالحياة الأبدية.

(وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) أي ويسرّون بإخوانهم المجاهدين الذين لم يقتلوا بعد فى سبيل الله، فيلحقوا بهم من خلفهم، أي أنهم بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم.

وقوله: من خلفهم إشارة إلى أنهم وراءهم يقتفون أثرهم ويحذون حذوهم قدما بقدم، وفى ذكر حال الشهداء واستبشارهم بمن خلفهم حثّ للباقين بعدهم على زيادة الطاعة والجد فى الجهاد والرغبة فى نيل منازل الشهداء وإصابة فضلهم، كما فيه إخماد لحال من يرى نفسه فى خير فيتمنى مثله لإخوانه فى الدين، وفيه بشرى للمؤمنين بالفوز بالمئاب.

(أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي هم يستبشرون بما تبين لهم من حسن حال إخوانهم الذين تركوهم أحياء، وهى أنهم عند قتلهم يفوزون بحياة أبدية

<<  <  ج: ص:  >  >>