لا يكدرها خوف من وقوع مكروه من أهوالها، ولا حزن من فوات محبوب من نعيمها (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) النعمة هى الثواب الذي يلقاه العامل جزاء عمله، والفضل هو التفضل الذي يمنّ الله به على عباده الطائعين المخبتين إليه، والمراد بالمؤمنين الشهداء الذين وصفوا بالأوصاف الآتية بعد.
وفى ذلك تحريض على الجهاد، وترغيب فى الشهادة، وحثّ على ازدياد الطاعة وبشرى للمؤمنين بالفوز العظيم.
وقد جاءت هذه الجملة كالبيان والتفسير لقوله- لا خوف عليهم ولا هم يحزنون- لأن من كان فى نعمة الله وفضله لا يحزن أبدا، ومن كانت أعماله مشكورة غير مضيعة لا يخاف العاقبة.
ثم وصفهم بحسن أفعالهم الموجب لزيادة أجرهم فقال:
(الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي هؤلاء المؤمنون هم الذين أجابوا دعوته، ولبّوا نداءه، وأتوا بالعمل على أكمل وجوهه، واتقوا عاقبة تقصيرهم، على ما هم عليه من جراح وآلام أصابتهم يوم أحد، لهم أجر عظيم على ما قاموا به من جليل الأعمال.
وفى قوله: منهم إشارة إلى أن من دعوا لبّوا واستجابوا له ظاهرا وباطنا، ولكن عرض لبعضهم موانع فى أنفسهم أو أهليهم فلم يخرجوا، وخرج الباقون.
روى أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد، فبلغوا الرّوحاء (موضع بين مكة والمدينة) ندموا وهمّوا بالرجوع حتى يستأصلوا من بقي من المؤمنين، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة، فندب أصحابه للخروج فى إثر أبى سفيان وقال: لا يخرجنّ معنا إلا من حضر يومنا بالأمس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة من أصحابه حتى بلغوا حمراء