وجاءت الآية بطريق التعميم ترغيبا فى بذل المال بدون تحديد ولا تعيين، ووكل أمر ذلك إلى اجتهاد المؤمن الذي يتبع عاطفة الإيمان التي فى قلبه، وما تحدثه فى النفس من أريحية بذل الواجب والزيادة عليه، إذا هو تذكر أن فى ماله حقا للسائل والمحروم.
(بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) أي هو شر عظيم لهم، وقد نفى أولا أن يكون خيرا ثم أثبت كونه شرا، لأن المانع للحق إنما يمنعه لأنه يحسب أن فى منعه خيرا له، لما فى بقاء المال فى يده من الانتفاع به فى التمتع باللذات، وقضاء الحاجات، ودفع الغوائل والآفات.
(سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي سيجعل ما بخلوا به من المال طوقا فى أعناقهم، ويلزمهم ذنبه وعقابه، ولا يجدون إلى دفعه سبيلا، كما يقال: طوقنى الأمر أي ألزمنى إياه.
وخلاصة هذا- إن العقاب على البخل لازم لا بدّ منه.
وقال مجاهد: إن المعنى سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة عقوبة لهم فلا يستطيعون ذلك، ويكون ذلك توبيخا لهم على معنى: هلا فعلتم ذلك حين كان ممكنا ميسورا، ونظير هذا قوله تعالى:«وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ» .
ويرى بعضهم أن التطويق حقيقى، وأنهم يطوّقون بطوق يكون سببا لعذابهم فتصير تلك الأموال حيات تلتوى فى أعناقهم، فقد روى البخاري والنسائي عن أبى هريرة قال: «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له شجاع (ثعبان) أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، فيأخذ بلهزمتيه (شدقيه) يقول أنا مالك، أنا كنزك ثم تلا الآية» .
(وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ولله وحده لا لأحد سواه، ما فى السموات والأرض ما يتوارث من مال وغيره، فينقل من واحد إلى آخر لا يستقر فى يد،