ولا يسلم التصرف فيه لأحد، إلى أن يفنى الوارثون والموروثون، ويبقى مالك الملك، وهو الله رب العالمين.
فما لهؤلاء القوم يبخلون عليه بملكه، ولا ينفقونه فى سبيله، وابتغاء مرضاته.
وفى الآية إيماء إلى أن كل ما يعطاه الإنسان من مال وجاه وقوة وعلم فإنه عرض زائل، وصاحبه فإن غير باق، فلا ينبغى أن يستبقى الفاني ما هو مثله فى الفناء، بل عليه أن يضع الأشياء فى مواضعها التي تصلح لها، وبذا يكون خليفة لله فى أرضه محسنا للتصرف فيما استخلف.
(وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي والله لا تخفى عليه خافية من أعمالكم، ولا ما تنطوى عليه جوانحكم، فيجازى كل عامل بما عمل بحسب تأثير عمله فى تزكية نفسه أو تدسيتها، ونيته فى فعله كما
جاء فى الحديث:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»
(لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) أي قد سمع الله قول هؤلاء الكافرين الذين قالوا هذه المقالة، ولم يخف عليه، وسيجزيهم عليه أشد الجزاء.
وهذا أسلوب يتضمن التهديد والوعيد، كما يتضمن البشارة والوعد بحسن الجزاء فى نحو- سمع الله لمن حمده- ويتضمن مزيد العناية وإرادة الإغاثة وإزالة الشكوى فى نحو «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما» إذ سمع الله لعباده يراد به مراقبته لهم فى أقوالهم، ويلزم من ذلك المعاني التي ذكرناها آنفا.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله تعالى: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً» فقالوا يا محمد: أفقير ربك يسأل عباده القرض ونحن أغنياء؟ فأنزل الله (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ) الآية.
(سَنَكْتُبُ ما قالُوا) أي سنعاقبهم على ذلك عقابا لا شك فيه، إذ يلزم من كتابة الذنب وحفظه العقوبة عليه، وهذا استعمال شائع فى اللغة.