(وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي قتل سلفهم لهم، وإنما نسبه إليهم للاشارة إلى أنهم راضون بما فعلوه.
وهذا يدل على أن الأمم متكافلة فى الأمور العامة، ويجب على أفرادها الإنكار على من يفعل المنكر وتغييره أو النهى عنه، لئلا يفشو فيها، فيصير خلقا من أخلاقها وعادة مستحكمة فيها، فتستحق العقوبة فى الدنيا بالضيق والفقر، والعقوبة فى الآخرة بتدنيس نفوسها، وأن المتأخر إذا لم ينظر إلى عمل المتقدم ويطبقه على أحكام الشريعة فيستحسن منها ما تستحسنه، ويستهجن ما تستهجنه- عدّ شريكا له فى إثمه، ومستحقا لمثل عقوبته.
(وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أي سننتقم منهم ونقول لهم هذه المقالة.
ذاك أنهم لما قالوا ما قالوا وقتلوا من الأنبياء من قتلوا، فقد أذاقوا المسلمين وأتباع الأنبياء ألوانا من العذاب، وأحرقوا قلوبهم بلهب الإيذاء والكرب، فجوزوا بهذا العذاب الشديد وقيل لهم: ذوقوا عذاب الحريق، كما أذقتم أولياء الله فى الدنيا ما يكرهون.
والخلاصة- ذوقوا ما أنتم فيه، فلستم بمتخلصين منه، وهذا قول يلقى للتشفى الدالّ على كمال الغيظ والغضب (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) أي إن هذا العذاب المحرق الذي تذوقون حرارته، بسبب أعمالكم فى الدنيا كقتل الأنبياء، ووصف الله بالفقر، وجميع ما كان منكم من ضروب الكفر والفسوق والعصيان.
وأضاف العمل إلى الأيدى، من قبل أن أكثر أعمال الإنسان تزاول باليد وليفيد أن ما عذّبوا عليه هو من عملهم على الحقيقة، لا أنهم أمروا به ولم يباشروه.
(وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي إن ذلك العذاب أصابكم بعملكم، وبكونه تعالى عادلا فى حكمه وفعله، لا يجور ولا يظلم، فلا يعاقب غير المستحق للعقاب، ولا يجعل المجرمين كالمتقين، والكافرين كالمؤمنين كما قال: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا