وكل منهما واجب على العلماء لا هوادة فيه، وكفى بهذه الآية حجة عليهم وهى آكد من قوله:«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» .
(فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) أي لم يبالوا به ولم يهتموا بشأنه، وقد كان من الواجب عليهم أن يجعلوه نصب أعينهم لا شيئا مهملا ملقى وراء الظهور لا ينظر إليه، ولا يفكّر فى أمره، فقد كان منهم الذين لا يستفيدون منه شيئا- ويحملونه كما يحمل الحمار الأسفار، ومنهم الذين يحرّفونه عن مواضعه، ومنهم الذين لا يعلمون منه إلا أمانى يتمنونها وقراءات يقرءونها.
وإن هذا لينطبق على المسلمين اليوم أتم الانطباق، فهم قد اتبعوا سنن من قبلهم ونهجوا نهجهم حذو القذّة بالقذة، فما بالهم عن التذكرة معرضين، وكتاب الله بين أيديهم شاهد عليهم، وهو يتلى بين ظهرانيهم.
(وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا) أي أخذوا عوضا منه فائدة دنيوية حقيرة فغبنوا فى هذا البيع والشراء، وهذا الثمن هو ما كان يستفيده الرؤساء من المرءوسين من حطام الدنيا ليتمتعوا بلذاتها الفانية، وشهواتها الفاسدة، وكانوا يؤولون الكتاب ويحرفونه لأغراض كثيرة كالخوف من الحكام أو الرجاء فيهم، فيصرفون نصوصه إلى معان توافق هوى الحاكم ليأمنوا شره، أو لإرضاء العامة أو الأغنياء بموافقة أهوائهم لاستفادة جاههم ومالهم.
(فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) أي إن ما يشترونه ذميم قبيح لأنهم جعلوا الفاني بدلا من النعيم الدائم الذي يحصل للأمة من اتباعها لكتابها وهديها بإرشاده، وتهذيب أخلاقها بآدابه وجمع كلمتها حول تعاليمه، وبذا تحول بينها وبين المستبدين فيها، وتصبح عزيزة الجانب متكافلة متضامنة، أمر أهلها بينها شورى.