وقد روى عن على كرم الله وجهه أنه قال: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا،
وعن أبى هريرة أنه قال: لولا ما أخذ الله تعالى على أهل الكتاب ما حدثتكم وتلا هذه الآية، وعن الحسن أنه قال: لولا الميثاق الذي أخذه الله تعالى على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه.
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) كان الكلام قبل هذا مع أهل الكتاب وأنه قد أخذ عليهم الميثاق بتبيين كتابهم للناس فقصروا فى ذلك وتركوا العمل به واشتروا به ثمنا قليلا فاستحقوا العقاب من ربهم.
وهنا ذكر حالا أخرى من أحوالهم، ليحذر المؤمنين منها، وهو أنهم كانوا يفرحون بما أتوا من التأويل والتحريف للكتاب، ويرون لأنفسهم شرفا فيه وفضلا بأنهم أئمة يقتدى بهم، وكانوا يحبون أن يحمدوا بأنهم حفّاظ الكتاب ومفسروه وهم لم يفعلوا شيئا من ذلك، وإنما فعلوا نقيضه إذ حولوه من الهداية إلى ما يوافق أهواء الحكام وأهواء العامة.
ومن عجيب حالهم أنه قد اشتبه أمرهم على الناس، فهم يحسبون أنهم أولياء الله وأنصار دينه وعلماء كتابه وأنهم أبعد الناس عن عذابه وأقربهم من رضوانه، فبين الله كذب هذا الحسبان ونهى عنه وسجل عليهم العذاب.
والخلاصة- لا تظنن أيها المخاطب أن اليهود الذين يفرحون بما فعلوا من تدليسهم عليك، ويحبون أن تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه، ناجون من العذاب الدنيوي وهو العذاب الذي يصيب الأمم التي فسدت أخلاقها وساءت أعمالها، وألفت الفساد والظلم وهو ضربان:
(١) عذاب هو أثر طبيعى للحال التي يكون عليها المبطلون بحسب سنة الله فى الاجتماع البشرى بخذلان أهل الباطل والإفساد، وذهاب استقلالهم ونصرة أهل الحق عليهم وتمكينهم من رقابهم وديارهم وأموالهم ليحل الإصلاح محل الإفساد