إلا إذا أتين بفاحشة مبينة بحيث يكون إمساكهن سببا فى مهانة الرجل واحتقاره، أو إذا خافا ألا يقيما حدود الله، وفيما عدا ذلك يجب عليه إذا أراد فراقها أن يعطيها جميع حقوقها وهذا ما أشار إليه بقوله:
(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) أي وإذا رغبتم أيها الأزواج فى استبدال زوج جديدة مكان زوج سابقة كرهتموها لعدم طاقتكم الصبر على معاشرتها وهى لم تأت بفاحشة مبينة، وقد كنتم أتيتموها المال الكثير مقبوضا أو ملتزما دفعه إليها فصار دينا فى ذمتكم فلا تأخذوا منه شيئا، بل عليكم أن تدفعوه لها، لأنكم إنما استبدلتم غيرها بها لأغراضكم ومصالحكم بدون ذنب ولا جريرة تبيح أخذ شىء منها، فبأى حق تستحلون ذلك وهى لم تطلب فراقكم ولم تسىء إليكم لتحملكم على طلاقها؟ وإرادة الاستبدال ليست شرطا فى عدم حلّ أخذ شىء من مالها إذا هو كره عشرتها وأراد الطلاق، لكنه ذكر لأنه هو الغالب فى مثل هذا الحال، ألا ترى أنه لو طلقها وهو لا يريد تزوج غيرها، لأنه اختار الوحدة وعدم التقيد بالنساء وحاجتهم الكثيرة فإنه لا يحل له أخذ شىء من مالها.
ثم أنكر عليهم هذا الفعل ووبخهم عليه أشد التوبيخ فقال:
(أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً؟) أي أتأخذونه باهتين آثمين، وقد كان من دأبهم أنهم إذا أرادوا تطليق الزوجة رموها بفاحشة حتى تخاف وتشترى نفسها منه بالمهر الذي دفعه إليها.
وزاده إنكارا آخر مبالغة فى التنفير من ذلك فقال:
(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) أي إنّ حال هؤلاء الذين يستحلون أخذ مهور النساء إذا أرادوا مفارقتهن بالطلاق لا لذنب جنينه ولا لإثم اجترحنه من الإتيان بفاحشة مبينة أو عدم إقامة حدود الله، وإنما هو الرأى والهوى وكراهة معاشرتهن- عجيب أيّما عجب، فكيف يستسيغون أخذ ذلك منهنّ بعد أن تأكدت الرابطة بين الزوجين بأقوى رباط حيوىّ بين البشر، ولابس كل منهما الآخر