حتى صار أحدهما من الآخر بمنزلة الجزء المتمم لوجوده، فبعد أن أفضى كل منهما إلى الآخر إفضاء ولابسه ملابسة يتكون منها الولد، يقطع تلك الصلة العظيمة ويطمع فى مالها وهى المظلومة الضعيفة، وهو القادر على اكتساب المال بسائر الوسائل التي هدى الله إليها البشر.
(وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) قال قتادة: هذا الميثاق هو ما أخذ الله للنساء على الرجال بقوله (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) وقال الأستاذ الإمام: إن هذا الميثاق لا بد أن يكون مناسبا للإفضاء فى أن كلا منهما شأن من شئون الفطرة السليمة وهو الذي أشارت إليه الآية الكريمة «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» فهذه آية من آيات الفطرة الإلهية هى أقوى ما تعتمد عليها المرأة فى ترك أبويها وإخوتها وسائر أهلها والاتصال برجل غريب عنها تساهمه السراء والضراء وتسكن إليه ويسكن إليها ويكون بينهما من المودة أقوى مما يكون بين ذوى القربى، ثقة منها بأن صلتها به أقوى من كل صلة وعيشتها معه أهنأ من كل عيشة.
هذه الثقة وذلك الشعور الفطري الذي أودع فى المرأة وجعلها تحسّ بصلة لم تعهد من قبل لا تجد مثلها لدى أحد من الأهل، وبها تعتقد أنها بالزواج مقبلة على سعادة ليس وراءها سعادة فى الحياة، هذا هو المركوز فى أعماق النفوس، وهذا هو الميثاق الغليظ، فما قيمة من لا يفى بهذا الميثاق، وما هى مكانته من الإنسانية؟ اه بتصرف.
وقد استدلوا بذكر القنطار على جواز التغالى فى المهور. وقد روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى على المنبر أن يزاد فى الصداق على أربعمائه درهم ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: أما سمعت الله يقول (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) فقال: اللهم عفوا كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: إنى كنت نهيتكم أن تزيدوا فى صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطى من ماله فله ما أحبّ.