من التوراة هى التي كتبها موسى عليه السلام ففقدت، ويؤيد هذا قوله تعالى «فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» .
والخلاصة- إنهم لم يأخذوا الكتاب كله، بل تركوا كثيرا من أحكامه لم يعملوا بها وزادوا عليها، والزيادة فيه كالنقص منه، فالتوراة تنهاهم عن الكذب وإيذاء الناس وأكل الربا وكانوا يفعلون ذلك، وزاد لهم علماؤهم ورؤساؤهم كثيرا من الأحكام والرسوم الدينية فتمسكوا بها وهى ليست من التوراة ولا مما يعرفونه عن موسى عليه السلام.
فالذى لم يعملوا به من التوراة قسمان: أحدهما ما أضاعوه ونسوه، وثانيهما ما حفظوا حكمه وتركوا العمل به، وهو كثير أيضا.
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) أي والله أعلم منكم بمن هم أعداؤكم فأنتم تظنون فى المنافقين أنهم منكم وما هم منكم، فهم يكيدون لكم فى الخفاء ويغشّونكم فى الجهر، فيبرزون الخديعة فى معرض النصيحة، ويظهرون لكم الولاء والرغبة والنصرة، والله أعلم بما فى قلوبهم من العداوة والبغضاء.
(وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً) فهو الذي يرشدكم إلى ما فيه خيركم وفلا حكم، وهو الذي ينصركم على أعدائكم بتوفيقكم لصالح العمل والهداية لأسباب النصر من الاجتماع والتعاون وسائر الوسائل التي تؤدى إلى القوة، فلا تطلبوا الولاية من غيره ولا النصرة من سواه، وعليكم باتباع السنن التي وضعها فى هذه الحياة، ومنها عدم الاستعانة بالأعداء الذين لا يعملون إلا لمصالحهم الخاصة كاليهود وغيرهم.
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا) هذا بيان للمراد من الذين أوتوا الكتاب بأنهم يهود ونصارى، وقوله (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) وقوله (وَكَفى بِاللَّهِ) جملتان معترضتان بين البيان والمبيّن.
ثم بين المراد من اشترائهم الضلالة بالهدى فقال:
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) التحريف يطلق على معنيين: أحدهما تأويل القول بحمله على غير معناه الذي وضع له، كما يؤوّلون البشارات التي وردت فى النبي صلى الله عليه وسلم ويؤولون ما ورد فى المسيح ويحملونه على شخص آخر ولا يزالون ينتظرونه