وروى عن عكرمة أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش فاستجاشهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يغزوه، وقال إنا معكم نقاتله، فقالوا إنكم أهل كتاب وهو صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردت أن تخرج معنا فاسجد لهدين الصنمين وآمن بهما ففعل، ثم قالوا: نحن أهدى أم محمد؟ فنحن ننحر الكوماء (الناقة الضخمة السّنام) ونسقى اللبن على الماء، ونصل الرحم، ونقرى الضيف، ونطوف بهذا البيت، ومحمد قطع رحمه، وخرج من من بلده، فقال: بل أنتم خير وأهدى.
ثم بين عاقبة أمرهم وشديد نكالهم فقال:
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) أي أولئك الذين اقتضت سنن الله فى خلقه أن يكونوا بعيدين عن رحمته، مطرودين من فضله وجوده.
(وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) أي ومن يبعده الله من رحمته فلن ينصره أحد من دونه، إذ لا سبيل لأحد إلى تغيير سننه تعالى فى خليقته، وهو قد جعل الخذلان نصيب من يؤمنون بالجبت والطاغوت، إذ هم قد تجاوزوا سنن الفطرة واتبعوا الخرافات والأوهام، لأنه إنما ينصر المؤمنين باجتنابهم ذلكَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» .
ثم انتقل من توبيخهم على الإيمان بالجبت والطاغوت، وتفضيلهم المشركين على المؤمنين، إلى توبيخهم على البخل والأثرة، وطمعهم فى أن يعود إليهم الملك فى آخر الزمان، وأنه سيخرج منهم من يجدد ملكهم ودولتهم ويدعو إلى دينهم فقال:
(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) أي إنهم لا حظ لهم من الملك، إذ هم فقدوه بظلمهم وطغيانهم، وإيمانهم بالجبت والطاغوت.
(فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) أي إنه لو كان لهم نصيب من الملك لا تبعوا طريق.
البخل والأثرة، وحصروا منافعه فى أنفسهم، فلا يعطون الناس منه نقيرا.
والخلاصة- إن اليهود ذوو أثرة وشحّ يشق عليهم أن ينتفع منهم غير اليهودي، فإذا صار لهم ملك حرصوا على منع الناس أدنى النفع وأحقره، ومن كانت هذه حاله