للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرص أشد الحرص على ألا يظهر نبى من العرب يكون لأصحابه ملك يخضع لهم فيه بنو إسرائيل، ولا تزال هذه حالهم إلى اليوم، فإن تم لهم ما يسعون إليه من إعادة ملكهم إلى بيت المقدس وما حوله فإنهم يطردون المسلمين والنصارى من تلك الأرض المقدسة ولا يعطونهم منها نقيرا.

ولكن هل يعود الملك كما يريدون؟ ليس فى الآية ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه، وإنما الذي فيها بيان طباعهم فيه لو حصل.

ثم انتقل من توبيخهم بالبخل إلى توبيخهم بالحسد فقال:

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي إن هؤلاء يريدون أن يضيق فضل الله بعباده، ولا يحبون أن يكون لأمة فضل أكثر مما لهم أو مثله، لما استحوذ عليهم من الغرور بنسبهم وتقاليدهم مع سوء حالهم.

وهم قد رأوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم بعد أن أعطى النبوة جعله الله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أعوانا وأنصارا من أجل هذا حسدوه حسدا عظيما.

وبعد أن ذكر أن كثرة نعمه عليه صارت سببا لحسد هؤلاء اليهود، بين ما يدفع ذلك الحسد فقال:

(فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) أي إن يحسدوا محمدا على ما أوتى فقد أخطئوا، إذ ليس هذا ببدع منا، لأنا قد آتينا مثل هذا من قبل لآل إبراهيم والعرب منهم فإنهم من ذرية ولده إسماعيل، فلم لم تعجبوا مما آتى آل إبراهيم وتعجبون مما آتى محمدا صلى الله عليه وسلم؟ ولم لا يكون مستبعدا فى حق هؤلاء ومستبعدا فى حق محمد صلى الله عليه وسلم؟

وفى الآية رمز إلى أنه سيكون للمسلمين ملك عظيم يتبع النبوة والحكمة، وقد ظهرت تباشيره عند نزول الآيات بالمدينة، فقد قويت شوكتهم وأخذ أمرهم يعظم رويدا رويدا.

والخلاصة- إن اليهود إما مغرورون مخدوعون يظنون أن فضل الله لا يعدوهم، ورحمته تضيق بغيرهم، وإما حاسبون أن ملك الكون فى أيديهم، فهم لا يعطون

<<  <  ج: ص:  >  >>