وما رواه الحاكم عن عائشة «لا يغنى حدر من قدر» لا يناقض أخذ الحذر، لأن الأمر بالحذر داخل فى القدر، فالأمر به لندفع عنا شر الأعداء، لا لندفع القدر ونبطله، إذ القدر هو جريان الأمور بنظام تأتى فيه الأسباب على قدر المسببات، والحذر من جملة الأسباب فهو عمل بمقتضى القدر لا بما يضاده.
(فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) أي فانفروا جماعة إثر جماعة بأن تكونوا فصائل وفرقا- إذا كان الجيش كبيرا أو موقع العدو يستدعى ذلك- أو تنفر الأمة كلها جميعا إذا اقتضت الحال ذلك بحسب قوة العدو.
والخلاصة- إنكم إما أن تنفروا جماعات جماعات، وإما أن ينفر جميع المؤمنين على الإطلاق بحسب حال العدو.
وامتثال هذا الأمر يقتضى أن تكون الأمة على استعداد دائم للجهاد بأن يتعلم كل فرد من أفرادها فنون الحرب ويتمرن عليها، وأن تقتنى السلاح الذي تحتاج إليه فى هذا النضال، وتعلم كيفية استعماله فى كل زمان بما يناسبه.
ومن هذا تعلم أن الحكومة الإسلامية يجب عليها أن تقيم هذا الواجب بنفسها لا أن تبقى عالة على غيرها، وعلى الأمة أن تساعدها عليه، بل تلزمها إياه إذا قصرت فيه، بعكس ما نراه الآن من تراخى الأمم الإسلامية وضعفها وتوانيها فى ذلك، حتى طمعت فيها كل الدول التي تجاورها واجتاحتها من أطرافها واجتثت كثيرا من كورها وأقاليمها.
وقد شدد الدين أيما تشديد فى هذا الأمر فجاء مثل هذا فى قوله تعالى «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» وجاءت أحاديث كثيرة بهذا المعنى.
(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) أي ليتثاقلن ويتأخرنّ عن الجهاد، والخطاب لجماعة المؤمنين بحسب الظاهر، ومنهم المنافقون وضعفة الإيمان والجبناء فالمنافقون يرغبون عن الحرب، لأنهم لا يحبون أن يبقى الإسلام وأهله ولا أن يدافعوا عنه، ويحموا بيضته