فهم يبطّئون عن القتال ويبطئون غيرهم عن النفر إليه، والجبناء وضعفة الإيمان يبطئون بأنفسهم عن القتال خورا وخوفا من صليل السيوف ومن الكرّ والفر ومقابلة العدو وهو شاكى السلاح.
ثم فصل أحوال هؤلاء الضعفاء فقال:
(فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) أي قال ذلك المبطّئ فرحا بما فعل حامدا رأيه شاكرا ربه، إذا أصابتكم المصيبة من قتل أو هزيمة- إن الله قد أنعم علىّ بالقعود فلم أكن حاضرا معهم فيصيبنى مثل ما أصابهم من البلاء والشدة.
(وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) أي ولئن منّ الله عليكم بالظفر وفتح البلاد فغنمتم وأخذتم السبايا والأسرى ليقولن قول من ليس منكم ومن لم تجمعه مودة بكم- ليتنى كنت معهم فأفوز كما فازوا، فهو قد نسى ما يجب عليه من مدّ يد المعونة إليكم وبذل كل ما يمكنه من نفس أو مال ليتمّ ذلك الظفر.
ولكن ضعف إيمانه أو جبنه منعه عن هذا، إذ هذا التمني بعد فوات الفرصة دليل على ضعف العقل وكونه ممن يشرى الحياة الدنيا بالآخرة، وفى قوله: كأن لم تكن بينكم وبينه مودة تقريع وتوبيخ بألطف القول وأرقّ العبارة، إذ أن قليلا من المودة كان ينبغى أن يمنع مثل هذا التمني وأن يعد هذا الإحجام نعمة، فهذا يشعر بأن صاحبه لا يرى نعمة الله على المؤمنين نعمة وفضلا عليه، ولا ما يصيبهم من جهد وبلاء كأنه يصيبه هو، مع أن القرآن يصرح بأن المؤمنين إخوة، والحديث يدل على أنهم كأعضاء الجسم الواحد وكالبنيان يشد بعضه بعضا.
ومن فوائد هذا الأسلوب أنه يؤثر فى نفس سامعه تأثيرا لا يدنو من مثله الطعن بهجر القول، إذ يدعو صاحبه إلى التأمل والتفكر فى حقيقة حاله ومعاتبة نفسه، والتوبة إلى ربه، والرجوع إلى أوامر دينه.