وكيف يقوله وهو يرى أن الإجماع حجة ومما عارض به المخالف أن قالوا إذا سلمنا باب النقل الذي ذكرتم فما فائدة الإجماع والعمل؟ ومتى حصل النقل عن جماعة يحصل العلم بخبرهم وجب الرجوع إليه وإن خالفهم غيرهم فما فائدة ذكرهم الإجماع مع الاتفاق على هذا؟ فالجواب أنا نقول: إذا نقل البعض فلا يخلو الباقون أن يؤثر عنهم خلاف أو لا يؤثر، فإن لم يؤثر فهو ما أردناه، وإن علم الخلاف فإن كان من القليل لم يلتفت إليه ولم يقدح مخالفة القليل في الإجماع النقلي، وقد اختلف في مخالفة القليل فالإجماع الإجماع على ما قرره أرباب الأصول الذي شرطه في التحقيق أطباق ملأ المجتهدين.
وأما النقل فإنما يحتاج فيه عدد يوجب لنا العلم فإذا خالف فيه القليل نسب إليه الغلط والوهم إذ القطع نقل، التواتر وصحته يبطل خلافه، وأما إن كان الخلاف من جماعة آخرين وجمهور ثان متواتر أيضًا فقد قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب هذا نقل متعارض لا يكون حجة وليست مسألتنا.
قال القاضي أبو الفضل رضي الله تعالى عنه: وعندي أن تصور هذه النازلة يستحيل إذ نقل المتواتر موجب للعلم الضروري إذا جاء على شروطه ولا يصح أن يعارضه تواتر آخر لأنه يقضي أن أحدهما باطل محال، وهذا مما لا يصححه العقل ولا يصح كونهما جميعًا حقًا، ولا كونهما جميعًا باطلا، فسقط السؤال كرة.
إلا أن يكون النقل المتواتر المتعارض في نازلتين معينتين أن حالين مختلفين أو وقتيين متغايرين فيحكم فيهما بحكم الدليلين الصحيحين المتعارضين، وينظر إلى الجمع بينهما إن أمكن، وقصر كل واحد على نازلته وبابه أو الرجوع إلى التاريخ والحكم بالنسخ وغير ذلك من الحكم في