للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاءت هذه الأحاديث بلفظين أحدهما: لا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة، والآخر: من عالم بالمدينة، ولكل واحد منهما معنى صحيح.

فأما قوله من عالم بالمدينة فإشارة إلى رجل يعينه يكون بها لا بغيرها ولا نعلم أحدًا انتهى إليه علم أهل المدينة وأقام بها ولم يخرج عنها ولا استوطن سواها في زمن مالك مجمعًا عليه إلا مالكًا.

ولا أفتى بالمدينة وحدث نيفًا وستين سنة أحد من علمائها يأخذ عنه أهل المشرق والمغرب ويضربون إليه أكباد الإبل غيره.

وأما رواية عالم المدينة أو أهل المدينة فقد ذكر محمد بن إسحاق المخزومي أبو المغيرة أن تأويل ذلك ما دام المسلمون يطلبون العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة كان بها أو بغيرها.

فيكون على هذا سعيد بن المسيب لأنه النهاية في وقته ثم بعده غيره ممن هو مثله من شيوخ مالك، ثم بعدهم مالك ثم بعده من قام بعلمه وصار أعلم أصحابه بمذهبه، ثم هكذا ما دام للعلم طالب ولمذهب أهل المدينة إمام.

ويجوز على هذا أن يقال هو ابن شهاب في وقته والعمري في وقته ومالك في وقته، ثم إذا أجمعت اللفظتان اختص مالك بقوله من عالم بالمدينة ودخل في جملة علماء المدينة باللفظ الآخر، وقال بعض المالكية إذا اعتبرت كثرة من روى عن مالك من العلماء ممن تقدمه وعاصره أو تأخر عنه على اختلاف طبقاتهم وأقطارهم وكثرة الرحلة إليه والاعتماد في وقته عليه، دل بغير مرية أنه المراد بالحديث.

إذ لم نجد لغيره من علماء المدينة ممن تقدمه أو جاء بعده من الرواة والآخذين إلا بعض من وجدناه وقد جمع الرواة عنه غير واحد، وبلغ بهم بعضهم في تسمية من علم بالرواية عنه سوى من لم يعلم ألف راو واجتمع من مجموعهم زائدًا على الألف وثلاثمائة، ويدل كثرة قصدهم له كونه أعلم أهل وقته وهو الحال

<<  <  ج: ص:  >  >>