غبت فما شيع، ورجعت فما تلقى، ولا هنأ. بعثت وراء غيره. فغلط
به الرسول. فاعتذرت له. فانصرف بعد أن رآني بغير تسليم، ردوه. فخرج بعد ذلك عليه ابراهيم. فقال له عيسى: الأمير أكرم من أن يعدني وعدًا. ويعقد على نفسه عقدًا. ثم ينقضه، فيما تقدم منه. من رفع المؤونة عني، فصارت مخالفة ما رسمه من طرح التكليف مما لا ينبغي أن أفعله ولا يجوز، وأما رجوعي بعد رؤيتي له، من غير تسليم، فرأيته جالسًا في غير مجلسه للناس. فلو تركني. لسلمت.
فلما بادرني بالكلام، قبل السلام. ظننت كراهيته، لدخول هذا الموضع. فانصرفت مساعدة لذلك. وكان يقول للأمير ابرهيم عندما يُطنب في الثناء عليه، ويفتخر به: إنه مطيع. فقال: إن كان ما ظهر منه يشهد لباطنه فما كان في عُبّاد بني إسرائيل مثله. وإن كان رياء أو تصنعًا، فما رأينا ولا بلغنا عن أحد ملك شهوته ونفسه منه. لاسيما مع الإمكان والرياسة. وهو في الحالتين نسيج وحده. قال: ولم يأخذ ابن مسكين في مدته على القضاء أجرًا. وكان لا يستعين بأحد في شيء، من أموره. وربما استُقي له الماء، فيريقه، ويستقي لنفسه. وإنما كان بل لنفسه. ودخل عليه رجل يومًا، فوجد له عجينًا في مقلى، كاد أن يحترق، وابن مسكين في الصلاة. فقلبه له الرجل. فلما أتم الصلاة أمر بصدقته، ولم يأكله. ودخل عليه رجل يستسقي، فحلف له أن لا يستقي إلا هو. فتركه حتى استقى. ثم أخذه فأراقه في الماجل. ثم استقى هو بنفسه. وإنما كان يعيش بدقيق، كان يأتيه من منزله، يخبزه بنفسه، وبقل وشيء يأتيه من البادية. فإن لم يأته شيء، انتظره. فربما بقي اليومين والثلاثة بلا طعام. وكان شديد