فيها، والعاد في صحة القسمة والماسح في تقدير الأرضين، ونحوها، كل هذا وما أشبهه مما يعرف به مناط الحكم الشرعي غير مضطر إلى العلم بالعربية، ولا العلم بمقاصد الشريعة، وإن كان اجتماع ذلك كمالا في المجتهد.
والدليل على ذلك ما تقدم ذكره من أنه لو كان لازما لم يوجد مجتهد إلا في الندرة، بل هو محال عادة وإن وجد ذلك فعلى جهة خرق العادة، كآدم عليه السلام حين علمه الله الأسماء كلها، ولا كلام فيه. وأيضا إن لزم في هذا الاجتهاد العلم بمقاصد الشارع لزم في كل علم وصناعة أن لا تعرف إلا بعد المعرفة بذلك؛ إذ فرض من لزوم العلم بها العلم بمقاصد الشارع، وذلك باطل فما أدق إليه مثله. فقد حصلت العلوم ووجدت من الجهال بالشريعة والعربية، ومن الكفار المنكرين للشريعة. ووجه ثالث أن العلماء لم يزالوا يقلدون في هذه الأمور من ليس من الفقهاء، وإنما اعتبروا أهل المعرفة بما قلدوا فيه خاصة؛ وهو التقليد في تحقيق المناط.
فالحاصل أنه إنما يلزم في هذا الاجتهاد المعرفة بمقاصد المجتهد فيه، كما أنه في الأولين كذلك، فالاجتهاد في الاستنباط من الألفاظ الشرعية يلزم فيه المعرفة بمقاصد ذلك المناط، من الوجه الذي يتعلق به الحكم لا من وجه غيره وهو ظاهر (١).
"المسألة السابعة"
"و" هي في التنبيه على أن "الاجتهاد" الواقع في الشريعة "مع ذا" الذي تقدم ذكره في شأنه من التفصيل باعتبار الاستنباط، وباعتبار أحوال النظر في المناط، هو من حيث صحته وبطلانه "ضربان" لا ثالث لهما:
أحدهما: الاجتهاد الذي هو "معتبر" ومعتد به "شرعا لأهل الشأن، وهو" الاجتهاد "الذي يصدر" ويأتي "عمن" أتقن و"أحكما" - الألف للإطلاق - "أصوله" وما يتوقف عليه تحصيله من قواعد ومعارف ويفتقر إليه إدراكه، "وذاك" هو "ما" أي الذي "تقدما"