ألا ترى ما حكى ابن جني عن عيسى بن عمر، وحكى عن غيره أيضا قال سمعت ذا الرمة ينشد:
وظَاهرْ لَهَا من يَابس الشّخْت … علَيهَا الصَّبا واجْعَل يَديك لها ستْرًا
فقلت: أنشدني من بائس؟ فقال: يابس وبائس واحد. فأنت ترى ذا الرمة لم يعبأ بالاختلاف بين لبؤس واليبس، لما كان معنى البيت قائما على الوجهين، وصوابا على كلتا الطريقتين، وقد قال في رواية أبي العباس الأحوال: البؤس واليبس واحد أنشدني ابن الأعرابي:
ومَوضع زير لا أُريدُ مَبيتَه … كأني به شدَّة الرَّوع آنسُ
فقال له شيخ من أصحابه: ليس هكذا أنشدتنا: وموضع ضيق، فقال: سبحانه الله، تصحبنا منذ كذا وكذا، ولا تعلم أن الزير والضيق واحد؟
وقد جاءت أشعارهم على روايات مختلفة، وبألفاظ، متباينة، يعمل من مجموعها أنهم كانوا لا يلتزمون لفظا واحدا على الخصوص، بحيث يعد مرادفه أو مقاربه عيبا أو ضعفا، إلا في مواضع مخصوصة لا يكون ما سواه من المواضع محمولا عليها، وإنما معهودها الغالب ما تقدم (١).
"فصل"
"و" من هذه القواعد كذلك أنه ينبغي بل يجب "رعي" واعتبار "معنى" اللفظ "المفهم" للمعنى المراد في المساق "الخطابي" والعناية به "فإنه المقصود في الخطاب" فإذا اتضح فإنه لا فائدة في الاشتغال بظواهر الألفاظ وحددوها، لأن المراد هو معرفة المعنى "و" إنما "جعل اللفظ له وسيلة" قناة توصله للمخاطب و"توضح من بيانه" وإظهاره "سبيله" والطريق الموصل إليه.