"ثم" بعد تقرير هذا قد يظن أن الأحكام الشرعية لها مدرك آخر غير الدليل النقلي - وهو ما تقدم تسميته بالرأي - وهذا غير صحيح فإنا "نقول جملة" أي كل "الأدلة" الشرعية "في ضربها الأول" وهو الدليل النقلي "مستقلة" يعني محصورة، فلا دليل شرعي حقيقي آخر سواه.
"إذ ضربها" أي الأدلة الشرعية "الثاني" المذكور "اقتضاه العقل" يعني اقتضاه وأثمره إعمال العقل في الأدلة الشرعية وتسريحه فيها "و" لكنه ما ثبت اعتباره إلا بالنقل إذ العقل "ما" كان له أن يكون معتمدا عليه في هذا الشأن ولا "استبدّ فيه" بالنظر، وقبل ما يثمره فيه من ثمر "لولا النقل" الذي قضى بكونه - أي العقل أو الرأي - حجة مقبولة في ذلك، فالدليل النقلي هو الذي حكم بأنه دليل شرعي في ذلك، فلو فرض أن الدليل النقلي لم يحكم بذلك فإنه - لا محالة - سيسقط اعتباره في هذا الشأن.
وإذا كان كذلك فالأول هو العمدة، وقد صار إذ ذاك الضرب الأول مستند الأحكام التكليفية من جهتين:
إحداهما جهة دلالته على الأحكام الجزئية الفرعية.
والأخرى جهة دلالته على القواعد التي تستند إليها الأحكام الجزئية الفرعية فالأولى كدلالته على أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والحج والجهاد والصيد والذبائح والبيوع والحدود وأشباه ذلك والثانية كدلالته على أن الإجماع حجة وعلى أن القياس حجة وأن قول الصحابي حجة وشرع من قبلنا حجة وما كان نحو ذلك (١).