في أن موطن الاجتهاد هو ما تردد فيه النظر بين طرفين متعارضين فيه.
وذلك "إن" الاجتهاد لا يجري فيما وضح أمره وبان حكمه شرعا بلا كدر، ولا غبش، وإنما "مجال الاجتهاد" الفقهي "المعتبر" شأنه هو "ما كان" حاله "دائرا" ومترددا "بمقتضى" وحكم "النظر" الفقهي "بين محلى" يعني طرفي "نفي" لحكم "أو إثبات" - أو بمعنى الواو - أي وإثبات له، بحيث يكون اعتراه جذب كل منهما له بمقتضى ماهيته وذلك بأن يكون إذا نظرت إليه من وجه حكمت فيه بحكم، وإذا نظرت إليه من وجه آخر حكمت له بحكم آخر، فوجه منه يثبت حكما والآخر منه ينفيه، وكلا الطرفين "وضوح" وثبوت جريان "قصد" صاحب "الشرع فيه آت" وواقع، كما تدل على ذلك الأدلة الواردة في ذلك من الكتاب والسنة، فيكون ذلك المحل قد تعارض فيه النفي لحكم ما والإثبات له المعتبران شرعا، فكان خاليا من رجحان أحدهما على الآخر بدليل شرعي حاسم لهذا التعارض.
و"بيان ذا" الموضوع وإيضاحه يحصل بأن يقال: لا تخلوا أفعال المكلفين أو تروكهم إما أن يأتي فيها خطاب من الشارع أولا. فإن لم يأت فيه خطاب، فإما أن يكون على البراءة الأصلية، أو يكون فرضا غير موجود، والبراءة الأصلية في الحقيقة راجعة إلى خطاب الشارع بالعفو، أو غيره وإن أتى فيها خطاب فإما أن يظهر للشارع فيه قصد في النفي والإثبات أو لا، فإن لم يظهر له فيه قصد فهو قسم المتشابهات، وبذلك "كل خطاب واقع" أي وارد من الشارع، وهو "لم يتبين" أي يظهر "فيه قصد" صاحب "الشرع" ومراده به سواء "في جهة" جريان "النفي" عليه، بأن يكون مما ينفى ولا يقبل باعتبار مقتضى المقاصد الشرعية "أو" في جهة ما يجري عليه "الإثبات" والقبول بمقتضى ذلك أيضا "فذاك" الخطاب "نوع" من أنواع "المتشابهات" التي تقدم الكلام