ثابت لا ينكره إلا جاهل معاند، ومن ثم ضبطت المصلحة الشرعية بالضوابط الخمسة المعروفة.
ولا يخفى أن هذا الادعاء - ادعاء كون معرفة المقاصد مفصولا عن علم الأصول - قول مبتدع مخالف لما أجمعت عليه الأمة من أن معرفة المقاصد قصارى مفادها أنه يتبصر به في مواقع الأحكام وتحقيق المناط ولكن المحكم في ذلك هو الدليل الشرعي الخاص والعام الجاريين في موضوع الحكم، وقد تتخلف المعرفة بالقصد الشرعي فيه وذلك الحكم الشرعي فيه ماض.
وهذا مبين يقتضيه حكم الواقع ويوجبه. خلاصة القول أن اعتراضات ابن عاشور على الشاطبي ليست مبنية على ما يجعلها معتبرة معتدا بها، فلا ينبغي أن يعرج بها على الإطلاق، بل كل ما أتى به في كتابه هذا يجب أن ينظر فيه ليقوم.
وهذا ليس فيه تنقيص لقيمة هذا العالم - ابن عاشور - أو الحط من منزلته، وإنما هو بيان لأمر وجب بيانه في هذا الذي نحن فيه بإنصاف. والله - تعالى - أعلم.
[نظم هذا الكتاب الموافقات]
من السبيل الذي مضى عليه علماء الأمة نظم المعارف والعلوم في بحور الشعر لتسهيل حفظها، واستحضارها، غير أن ما ينظم من المؤلفات المنثورة عادة لا يكون إلا من الصنف العالي القدر المنتخل ما فيه من أثمار الأنظار، والمتضمن لما تشتد الحاجة إليه من المسائل والمعارف، وللتحقيقات العلمية الموثوق بها.
وهذا الصنف من المؤلفات إنما يكون من وضع أئمة العلوم وأرباب الفنون، وذوي التحقيق العلمي المتين.
وكتاب الموافقات هذا هو بلا ريب من أرباب الصدور من تلك المؤلفات، إلا أن العناية بنظمه والقيام بذلك في أول الأمر على ما في الكتب التي بيدي - لم تكن إلا من صاحبين تلميذين له. أحدهما يذكر بأنه نظم هذا الكتاب، إلا أنني لم أظفر باسمه، ولا بما يدل على حاله، إذن فهو مجهول لنا، وظن أنه لا يوجد هذا النظم على الإطلاق، فادعاء وجوده في نظري وهم، نشأ من عدم التثبت في هذا الأمر، ومن ظن أن هذه المنظومة - نيل المنى - هي منظومته فتأمل.