"المسألة الثامنة" في أن كل أمر شاق جعل الشارع فيه للمكلف مخرجا فقصد الشارع بذلك المخرج أن يتحراه المكلف إن شاء، كما جاء في الرخص شرعية المخرج من المشاق. فإذا قصد المكلف الخروج من ذلك على الوجه الشرعي، كان ممتثلا لأمر الشارع؛ آخذا بالجزم في أمره. وإن لم يفعل ذلك وقع بين محظورين: أحدهما: مخالفته لقصد الشارع، كانت تلك المخالفة في واجب أو مندوب أو مباح. والثاني: سد أبواب التيسير عليه، وفقد المخرج عن ذلك الأمر الشاق، الذي طلب الخروج عنه بما لم يشرع له قال الناظم:"وكل ما" من التكاليف "يشق" على النفس احتمال "والشارع" الحكيم "قد بين وجه" وطريق "الرفق" بالعباد "فيه" وجعل ذلك مخرجا للمكلف في ذلك الأمر فإنه إنما أراد بذلك "وقصد" أن يتحرى المكلف ذلك المخرج إن شاء، ولذلك "فالمتوخى" أي المتحرى بإتيان ذلك المخرج "قصده" أي موافقة قصده - أي الشارع - في ذلك فهو "ممتثل" لأمر الشارع في ذلك "وآخذ بالحزم" أي ضبط الأمور "فيما يفعل" لأنه أتى هذا الأمر على وجهه الصحيح الذي يحصل به المراد منه. فالتخفيف عن المكلف لا يطلب إلا من وجهه الشرعي، فمن طلبه منه أدركه، كما جاء في الرخص شرعية المخرج من المشاق، فإذا توخى المكلف الخروج من ذلك على الوجه الذي شرع له كان ممتثلا لأمر الشارع آخذ بالحزم في أمره، وحصل له مراده "و" أما "غيره" ممن طلب التخفيف من غير وجهه المشروع، كالذي طلق امرأته ثلاثا يريد بذلك التخفيف عن نفسه، فإنه قد "خالف قصد الشارع" فيما أتى، لأن الأمور الشاقة جعل الله فيها للمكلف مخارج معينة، مرفع تلك المشاق إنما تكون بها، فمن وقع في مشقة فعليه أن يطلب تخفيفا بما جعل من مخرج شرعي، وليقصد بذلك حصول ما وضع له ذلك المخرج شرعا من التخفيف، فمن فعل ذلك فقد وافق قصد الشارع - كما تقدم - ومن خالف فطلب التخفيف بما لم يوضع له شرعا، أو طلبه بما وضع له شرعا - كأكل الميتة للمضطر - إن لم يقصد ما قصده الشارع من وضع هذا المخرج، وهو حفظ النفس - فهو - كما سبق ذكره - قد خالف قصد الشارع في ذلك "وسد باب يسره" أي الشارع "للقارع" الطالب لذلك اليسر