وبيان ذلك: أن لفظ "النسخ عند المتقدمينا" - الألف للإطلاق - من أهل العلم "يعم" معناه "كل ما اقتضى" وأفاد "تبيينا" لمدلول دليل شرعي ما كان، فإن كان "من" الأدلة التي قامت بها "العمومات" فإنهم يطلقون على تخصيصها نسخا "و" إن كان من الأدلة التي قامت بها "الإطلاقات" فإنهم يطلقون على تقييدها نسخا، "و" هكذا شأن "غيرها من" النصوص "المبيِّنات" - بفتح الياء - والموضحات بغيرها من الأدلة، فبيان المجمل - أيضا - يطلقون عليه النسخ، كما يطلقونه على ما يطلقه عليه المتأخرون، وهو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر، وإنما أطلقوا على ذلك لفظ النسخ "لـ"ـوجود "الاشتراك" بين هذه الجزئيات كلها في "أن معنى" الدليل "الأول" عاما كان أو مطلقا أو مجملا أو منسوخا "مع" اعتبار "ما اقتضاه" ودل عليه الدليل "الثان" خاصا كان أو مقيدا أو مبينا، أو ناسخا "غير معمل" بل هو ملغى بالكلية كما في المنسوخ، أو ملغي ظاهره كما في العام، والمطلق والمجمل، فالمعمول به إذن إنما هو الدليل الثاني، وهذا المعنى جار في تقييد المطلق فإن المطلق متروك الظاهر مع مقيده فلا إعمال له في إطلاقه بل المعمل هو المقيد فكأن المطلق لم يفد مع مقيده شيئا فصار مثل الناسخ والمنسوخ وكذلك العام مع الخاص إذ كان ظاهر العام يقتضي شمول الحكم لجميع ما يتناوله اللفظ فلما جاء الخاص أخرج حكم ظاهر العام عن الاعتبار فأشبه الناسخ والمنسوخ إلا أن اللفظ العام لم يهمل مدلوله جملة وإنما أهمل منه ما دل عليه الخاص وبقي السائر على الحكم الأول والمبين مع المبهم كالمقيد مع المطلق فلما كان كذلك استسهل إطلاق لفظ النسخ في جملة هذه المعاني لرجوعها إلى شيء واحد (١).