ويدل على ذلك الوجهان الأخيران ووجه ثالث وهو أن غالب ما ادعى فيه النسخ إذا تأمل وجدته متنازعا فيه ومحتملا وقريبا من التأويل بالجمع بين الدليلين على وجه من كون الثاني بيانا لمجمل أو تخصيصا لعموم أو تقييدا لمطلق وما أشبه ذلك من وجوه الجمع مع البقاء على الأصل من الإحكام في الأول والثاني وقد أسقط ابن العربي من الناسخ والمنسوخ كثيرا بهذه الطريقة، وقال الطبري أجمع أهل العلم على أن زكاة الفطر فرضت ثم اختلفوا في نسخها قال ابن النحاس فلما ثبتت بالإجماع وبالأحاديث الصحاح عن النبي صلى الله عليه ولمسلم لم يجز أن تزال إلا بالإجماع أو حديث يزيلها ويبين نسخها ولم يأت من ذلك شيء انتهى المقصود منه.
ووجه رابع يدل على قلة النسخ وندوره أن تحريم ما هو مباح بحكم الأصل ليس بنسخ عند الأصوليين كالخمر والربا فإن تحريمهما بعد ما كانا على حكم الأصل لا يعد نسخًا لحكم الإباحة الأصلية.
ولذاك قالوا في حد النسخ: إنه رفع الحكم الشرعي بدليل شرعى متأخر، ومثله رفع براءة الذمة بدليل. وقد كانوا في الصلاة يكلم بعضهم بعضًا، إلى أن نزل وقوموا لله قانتين وروي أنهم كانوا يلتفتون في الصلاة إلى أن نزل {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)} [المؤمنون: ٢] قالوا: وهذا إنما نسخ أمرا كانوا عليه وأكثر القرآن على ذلك معنى هذا أنهم كانوا يفعلون ذلك بحكم الأصل من الإباحة فهو مما لا يعد نسخا وهكذا كل ما أبطله الشرع من أحكام الجاهلية فإذا اجتمعت هذه الأمور ونظرت إلى الأدلة من الكتاب والسنة لم يتخلص في يدك من منسوخها إلا ما هو نادر (١).
ومع قوليا هذا" فإنه لا مناص "ولا بد من التنبيه على" ما هو "اصطلاح العلماء فيه" أي النسخ، وما الذي يطلقونه عليه.