اشتغل بعبادة الله كفاه الله مؤونة الرزق. وإذا ثبت هذا في الرزق ثبت في غيره من سائر المصالح المجتلبة، والمفاسد المتوقاة، وذلك لان الله قادر على الجميع. وقال تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ}[يونس: ١٠٧] وفي الآية الأخرى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الأنعَام: ١٧] وقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطّلَاق: ٣] بعد قوله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (٣)} [الطّلَاق: ٢، ٣] فمن اشتغل بتقوى الله تعالى فالله كافيه. والآيات في هذا المعنى كثيرة (١).
(و) قد "مر في" المسألة السابعة من المسائل الموردة "في" شأن "الأسباب والحقوق وذاك ما" من البيان لهذا الأمر "يكفي أولى" أصحاب "التحقيق" العلمي.
واعلم أن ما تقدم من تأخير حقوق العباد إنما هو فيما يرجع إلى نفس المكلف، لا إلى غيره؛ أما ما كان من حق غيره من العباد فهو بالنسبة إليه من حقوق الله - تعالى -.
"المسألة الثامنة عشرة"
في أن النهي والأمر قد يردان على محل واحد أحدهما في شأن التعاون والآخر في شأن الأصل المقرر في محل الورود فيقع بينهما التعارض الموجب لوقوع الخلف بين أهل العلم في حكم ذلك المحل.
وبيان ذلك أنه ربما قد جاء "أمر ونهي" و"وردا في" شأن "فعل" واحد "وذا" الأمر راجع "لـ" جهة الـ"تعاون" بين الخلق في جلب المصالح ودرء المفاسد "وذا" النهي راجع "لـ" جهة "الأصل" وهو الحكم المقرر في ذلك المحل أو العكس، وهو رجوع النهي إلى جهة التعاون، والأمر إلى جهة الأصل. وعلى كل حال يقع التعارض بينهما في الحكم الذي يقتضيانه في المحل الذي تواردا عليه، وبذلك يرد في هذا الشأن