والذّباب يذكر في القرآن ما هذا كلام الإله فنزل {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} فأخذوا بمجرد الظّاهر ولم ينظروا في المراد فقال تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}[البَقَرَة: ٢٦] الآية. ويشبه ما نحن فيه نظر الكفّار للدّنيا واعتدادهم منها بمجرد الظّاهر الذي هو لهو ولعب وظلّ زائل وترك ما هو مقصود منها وهو كونها مجازا ومعبرا لا محلّ سكنى وهذا هو باطنها على ما تقدّم من التّفسير ولمّا قال تعالى {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)} [المدَّثِّر: ٣٠] نظر الكفار إلى ظاهر العدد فقال أبو جهل فيما روي لا يعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم فبيّن الله تعالى باطن الأمر بقوله {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} إلى قوله {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا}[المدَّثِّر: ٣١] وقال {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} فنظروا إلى ظاهر الحياة الدّنيا وقال تعالى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنَافِقون: ٨] وقال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}[لقمَان: ٦] الآية لمّا نزل القرآن الذي هو هدى للنّاس ورحمة للمحسنين ناظره الكافر النّضر بن الحارث بأخبار فارس والجاهلية وبالغناء فهذا هو عدم الاعتبار لباطن ما أنزل الله وقال تعالى في المنافقين {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} وهذا عدم فقه منهم لأنّ من علم أنّ الله هو الذي بيده ملكوت كلّ شيء وأنّه هو مصرّف الأمور فهو الفقيه ولذلك قال تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}[الحَشر: ١٣] وكذلك قوله تعالى {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}[التّوبَة: ١٢٧] لأنّهم نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثمّ انصرفوا.
فاعلم أنّ الله تعالى إذا نفى الفقه أو العلم عن قوم فذلك لوقوفهم مع ظاهر الأمر وعدم اعتبارهم للمراد منه وإذا أثبت ذلك فهو لفهمهم مراد الله من خطابه وهو باطنه (١).
"فصل"
في أنّ الظاهر يشمل كلّ ما ينبني عليه فهم القرآن من المعاني العربيّة.
وبذلك فإنّه مندرج "وداخل في" معنى "الظّاهر المفسّر" - المبيّن - وذلك "بمقتضى" وحكم "إطلاقه المقرّر" - فيما سبق إيراده من الكلام -.