"و" من تلك القواعد أيضا أن "العلم إن" كان قصد "بها" أي بالألفاظ "الإفهام" له والبيان، فإن ذلك يكون ويصح بما يتأتى فهمه لعموم المكلفين "مما" من الألفاظ والمعاني "به" أي فيه - يعنى في فهمه وإدراكه "تشترك الأفهام" والعقول على القدر الذي يعد ضروريا من ذلك. فإن الناس في الفهم ليسوا على واحد ولا متقارب، إلا أنهم يتقاربون في الأمور الجمهورية وما والاها. وعلى ذلك جرت مصالحهم في الدنيا. ولم يكونوا بحيث يتعمقون في كلامهم ولا في أعمالهم، إلا بمقدار ما لا يخل بمقاصدهم؛ اللهم إلا أن يقصدوا أمرًا خاصًا لأناس خاصة، فذاك كالكائنات الغامضة، والرموز البعيدة، التي تخفى عن الجمهور، ولا يخفى عمن قصد بها، وإلا كان خارجا عن حكم معهودها. فكذلك يلزم أن ينزل فهم الكتاب والسنة، بحيث تكون معانيه مشتركة لجميع العرب. ولذلك أنزل القرآن على سبعة أحرف، واشتركت فيه اللغات حتى كانت قبائل العرب تفهمه.
"و" من تلك القواعد كذلك أن "ما" ورد "به التكليف" من الأمور العقدية والعلمية "للخلق" و"صدر" عن الشارع طلب فعله أو تركه "مأخذه" أي أخذه من جهة العقل أي تعقله "سهل على فهم البشر" وقوتهم الإدراكية العقلية. سواء في الأمور العقدية أو العملية. أما العقدية فإنها لو كانت مما لا يدركه إلا الخواص لم تكن الشريعة عامة، ولم تكن أمية. وقد ثبت كونها، فلا بد أن يكون المعاني المطلوب علمها واعتقادها سهلة المأخذ. ثم إنها - أي الشريعة - لو لم تكن كذلك فإنه يؤول الأمر فيها إلى تكليف ما لا يطاق. وهو غير واقع فيها. ولذلك تجد الشريعة لم تعرف من الأمور الإلهية إلا بما يسع فهمه، وراجت غير ذلك فعرفته بمقتضى الأسماء والصفات وحضت على النظر في المخلوقات إلى أشباه ذلك وأحالت فيما يقع فيه الاشتباه على قاعدة عامة وهو قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشّورى: ١١] وسكتت عن أشياء لا تهتدى إليها