من الثابت المحقق أن الشاطبي من هذا العمل كله هو إقامة التعبد لله - تعالى - في النفوس، وترسيخ ذلك في البواطن - القلوب - على الحال الذي يكون فيه حال هذه البواطن والظواهر للمسلم العامل متخذا في الصورة، ومصاغا على وفق المقاصد الشرعية.
وبذلك فإنه لا فرق بينه وبين غيره من علماء الأصول والعقائد وغيرهم في هذا الشأن، فكلهم ساعون إلى إقامة هذا الأمر في الخلق.
ومن ظن الشاطبي قد سعى في هذا العمل إلى وضع منهج آخر في بناء الأحكام الفقهية غير المنهج المتبع عند جماهير الفقهاء، وهو جعل المصالح معيارا في بناء الأحكام الفقهية على الوجه الذي يتخيله بعض أهل العصر فهو مخطئ، يحرف الكلم عن مواضعه لأن هذا الأمر لا يقصده الشاطبي في ذلك، ثم إنه أمر لا سبيل إليه في واقع حال هذه الشريعة التي مبتناها في الحقيقة على المسلك الذي عليه جماهير علماء هذه الأمة والذي أساسه الاحتكام إلى الدليل السمعي على كل حال.
وكذلك يعد مخطئا من يدعي بأنه ماض على طريق الشاطبي في هذا الشأن - الدراسة المقاصدية - ثم تراه لا يؤصل على طريقته ومنهجه القائم على إيراد الأدلة النقلية ثم العقلية - النظرية - والعادية وكل ما يتحقق به التأصيل والتثبيت لكل أمر يدعيه أو قول يراه، وفي العصر أناس كثيرون يدعون أنهم يدرسون الأمور الدينية والفقهية على السبيل المقاصدي الذي اختاره الشاطبي في هذا الكتاب، إلا أنهم لا يوافقونه إلا في شأن الاعتبار للمقاصد والعناية بمقتضاها، فلا يكاد أحدهم يسير على وفق منهجه في الاستدلال أو بناء الآراء والاستنتاجات الذهنية، أو يعرج على ذلك، وإنما ينفصل عنه، ثم يتخذ مسلكا في الاستدلال لا مبالاة به عند التحقق، ولا قيمة له عند أرباب النظر، لأنه خلو من الأدلة والبراهين المعتبرة في هذا الشأن.
ومن الظلم السطو على أعمال الناس، وتحريفها، وصرفها عن المقصود منها، وبترها بترك العمل بما بنيت عليه من مناهج وسبل وقواعد، مع ادعاء