الحكمة الإلهية في تمهيد الأحكام وتأمل كيف تجد معظم النسخ إنما هو لما كان فيه تأنيس أولا للقريب العهد بالإسلام واستئلاف لهم مثل كون الصلاة كانت صلاتين ثم صارت خمسا وكون إنفاق المال مطلقا بحسب الخيرة في الجملة ثم صار محدودا مقدرا وأن القبلة كانت بالمدينة بيت المقدس ثم صارت الكعبة وكحل نكاح المتعة ثم تحريمه وأن الطلاق كان إلى غير نهاية على قول طائفة ثم صار ثلاثا والظهار كان طلاقا ثم صار غير طلاق إلى غير ذلك مما كان أصل الحكم فيه باقيا على حاله قبل الإسلام ثم أزيل أو كان أصل مشروعيته قريبا خفيفا ثم أحكم (١).
"المسألة الثانية"
في أن النسخ لا يقع في القواعد الكلية الشرعية المكية.
وبيان ذلك أنه "قد مر في" مجاري الكلام على "القواعد" الكلية "الأصلية" في المسألة السابعة في القسم الرابع في كتاب المقاصد أن "كثرتها" أي تلك القواعد الكلية واردة "في السور المكية وتلك" القواعد لم يحصل "فيها" من "النسخ" شرعا و "لم يكن يقع" على الإطلاق "وإن يكن" يعني وإن كان "يمكن" أي يجوز حصوله "عقلا ويسع". أي يسوغ ويقبل - "دل على" ثبوت "ذلك" وحصوله "الاستقراء" للنصوص الشرعية وتتبع أحوالها، بتمام "والنظر" في مقتضيات هذه النصوص ومضامينها ذلك النظر "الذي له" - قد تكون اللام - هنا بمعنى الباء - أي به - وقد تكون للاختصاص والاستحقاق، أي ذلك النظر الخاص الذي له "استجلاء" أي استكشاف لما انطوت عليه تلك النصوص ودلت عليه، والذي قد أثمر في هذا الشأن أن الشريعة مبنية على حفظ الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات أي الكليات الشرعية، وجميع ذلك قد تقرر شرعا في الفترة المكية، ولم ينسخ منه شيء.