يمتنع كل ما فيه وجه مغيب كالديار والحوانيت المغيبة الأسس والأنقاض وما أشبه ذلك مما لا يحصى ولم يأت فيه نص بالجواز ومثل هذا لا يصح فيه القول بالمنع أصلا لأن الغرر المنهي عنه محمول على ما هو معدود عند العقلاء غررا مترددا بين السلامة والعطب فهو مما خص بالمعنى المصلحي ولا يتبع فيه اللفظ بمجرده وأيضا فالأوامر والنواهي من جهة اللفظ على تساو في دلالة الاقتضاء والتفرقة بين ما هو منها أمر وجوب أو ندب وما هو نهي تحريم أو كراهة لا تعلم من النصوص وإن علم منها بعض فالأكثر منها غير معلوم وما حصل لنا الفرق بينها إلا باتباع المعاني والنظر إلى المصالح وفي أي مرتبة تقع وبالاستقراء المعنوي ولم نستند فيه لمجرد الصيغة وإلا لزم في الأمر أن لا يكون في الشريعة إلا على قسم واحد لا على أقسام متعددة والنهي كذلك أيضا بل نقول كلام العرب على الإطلاق لا بد فيه من اعتبار معنى المساق في دلالة الصيغ وإلا صار ضحكة وهزءة ألا ترى إلى قولهم فلان أسد أو حمار أو عظيم الرماد أو جبان الكلب وفلانة بعيدة مهوى القرط وما لا ينحصر من الأمثلة لو اعتبر اللفظ بمجرده لم يكن له معنى معقول فما ظنك بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا المساق يجري التفريق بين البول في الماء الدائم وصبه من الإناء فيه" (١).
"فصل"
في أن الآخذ بهذا النظر الأخير في هذا الشأن هو الذي على صواب.
"و" ذلك انه "إذ" يعني إذا تقرر و "بدا" وظهر رجحان هذا "المعنى" الذي تقرر في هذا النظر، والذي مفاده "بأن الأمر كالنهي" كليهما "فيه علة" شرعية "تستقرأ" أي تعلم بالإستقراء والتتبع لمواردهما ومواضعهما، "فـ" كل "عامل بـ" مقتضى "ذلك" المعنى "المفهوم" من العلة المذكورة هو شخص "متبع للسنن" أي الطريق "القويم" المستقيم