وفي بيان ذلك يقول الناظم:"يصح" شرعا ويقع "بين الفرض" - هكذا في النسخة التي بأيدينا - ولعله يريد الحلال بدلالة مقارنته بالحرام، إلا أن الفرض والواجب وإن كان كل حلالا، فإن من الحلال ما ليس واجبًا، ولذلك فإنه لو قال:"يصح بين الحل" لكان أبين "والحرام للعفو" وهو ما لا يحكم عليه بأنه حلال أو حرام "رتبة سوى" رتب "الأحكام" الخمسة التي هي الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح "دليله" أي دليلٌ ما ذكر من ثبوت هذه الرتبة "الثبوت لا لها الوارد "في المنقول من خبر" يعني قول "الله" تعالى في كتابه، ومن ذلك قوله - سبحانه - {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)} [الأنفال: ٦٨]. وقوله - - عَزَّ وَجَلَّ - -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١)} [المائدة: ١٠١] "أو" - بمعنى الواو - أي "وخبر الرسول" صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها". و"مثل ويعفوا عن كثير" في قوله - تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} [الشورى: ٣٠] وهذه الآية كما ترى - مسوقة لبيان سبحانه عفو غفور بعد تحقق ما يستوجب العقاب على الآثمين. وهذا ليس الكلام فيه، وإنما هو فيما لا يجب العقاب أصلا، وهو المقصود هنا بالعفو الذي مفاده التجاوز والصفح بعد تحقق موجب العذاب، الذي ورد في هذه الآية وبذلك فالاستدلال بهذه الآية - غير ظاهر - والله أعلم -.
و"عفا" الواقع في قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (٤٣)} [التوبة: ٤٣] فهذا يدل على هذا المعنى في الجملة، فإنه موضع اجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم - في الإذن عند عدم النص. وقد ثبت في التشريعة العفو عن الخطأ في الاجتهاد حسبما بسطه الأصوليون، وقد تقدم ذكر أمثلة على ذلك فيما تقدم ذكره من النصوص. "وما" أي والذي اتبع "من السنة معناه" أي معنى العفو المذكور وحكمه و"اقتفى"