الجوع، فالطلب باق عليه، ما لم يفعل من ذلك ما هو كاف يختلف باختلاف السّعات والخلَّات في ذلك المعين: فقد يكون في الوقت غير مفرط الجوع، فيحتاج إلى مقدار من الطعام، فإذا تركه حتَّى أفرط عليه، احتاج إلى أكثر منه. وقد يطعمه آخر فيرتفع عنه الطلب رأسا، وقد يطعمه آخر ما لا يكفيه، فيطلب هذا بأقل مما كان مطلوبا به، فإذا زال الوقت الحاضر، صار في الثاني مكلفا بشي آخر لا بالأول، أو سقط عنه التكليف، إذا فرض ارتفاع الحاجة العارضة.
والثاني: أنه لو ترتب في ذمته أمر لخرج إلى ما لا يعقل، لأنَّهُ في الوقت من أوقات حاجة المحتاج مكلف بسدها، فإذا مضى وقت يسع سدها بمقدار معلوم مثلا، ثم لم يفعل، فترتب في ذمته ثم جاء زمان وهو على حاله أو أشد، فإما أن يقال إنه مكلف أيضًا بسدها أولا، والثاني باطل، إذ ليس هذا الثاني بأولى بالسقوط من الأول، لأنَّهُ إنما كلف لأجل سد الخلة، فيرتفع التكليف والخلة باقية. هذا محال. فلا بد أن يترتب في الذمة ثانيا مقدار ما تسد به الحاجة ذلك الوقت، وحينئذ يترتب في ذمته في حق واحد، قيم كثيرة بعدد الأزمان الماضية، وهذا غير معقول في الشرع.
والثالث: أن هذا الواجب يكون عينا أو كفاية. وعلى كل تقدير يلزم إذا لم يقم به أحد - أن يترتب إما في ذمة واحد غير معين، وهو باطل لا يعقل فيما في ذمم جميع الخلق مقسطا، فكذلك، للجهل بمقدار ذلك القسط لكل واحد، أو غير مقسط، فيلزم فيما قيمته درهم أن يترتب في ذمم مائة ألف درهم. وهو باطل كما تقدم.
والرابع: لو ترتب في ذمته لكان عبثا، ولا عبث في التشريع، فإنه إذا كان المقصود دفع الحاجة فعمران الذمة ينافي هذا القصد" إذ المقصود إزالة هذا العارض، لا غرم قيمة العارض، فإذا كان الحكم بشغل الذمة منافيا لسبب الوجوب، كان عبثا غير صحيح. لا يقال إنه لازم في الزكاة المفروضة وأشباهها، إذ المقصود بها سد الخلات وهي تترتب في الذمة. لأنا نقول: نسلم أن المقصود ما ذكرت، ولكن الحاجة فيه متعينة فلا بد من إزالتها، ولذلك لا يتعين لها مال زكاة من غيره، بل بأي مال ارتفعت حصل المطلوب، فالمال غير مطلوب لنفسه فيها، فلو ارتفع العارض بغير شيء لسقط الوجوب، والزكاة ونحوها لابد من بذلها وإن كان محلها غير مضطر إليها في نفس الوقت، لذلك عينت. وعلى هذا الترتيب في بدل المال للحاجة، يجري حكم سائر أنواع هذا القسم.