في أن الأحكام الشرعية تؤخذ في هذه الشريعة من النصوص الشرعية لكن من جهة دلالتها الأصلية. وأما دلالتها التبعية فإن أخذ الأحكام من جهتها أمر فيه نظر. "وتقتضي" أي تستفاد وتؤخذ "أحكامها" أي أحكام هذه الشريعة "من جهة الدلالة الأصلية" التي تقدم أنها الجهة الأولى التي ينظر إليها في اللغة، وأنها التي لا تتفاوت فيها الألسن واقتضاء وأخذ الأحكام الشرعية من هذه الجهة أمر مجمع عليه. "وفي اقتضائها" أي استفادتها وأخذها "من" الجهة "الأخرى" التابعة للجهة الأصلية المذكورة وهي الجهة التي تقدم أنها الجهة الثانية التي ينظر في اللغة إليها، وأنها التي لا تتساوى فيه الألسن واللغات، وإنما تختلف وذلك للاعتبارات المتقدم ذكرها، "نظر" مبتدأ مؤخر قوله في استفادتها خبره مقدم عنه، وإعمال للأذهان، وبحث "فقد يقال" في الاحتجاج والاستدلال على صحة مذهب من لا يرى أخذ الأحكام الشرعية واستفادتها من هذه الجهة التابعة - كالظاهرية - "المنع" من هذا الأخذ وهذه الاستفادة "أولى" أي أرجح "مطلقا" سواء كانت دلالة تنبيه وإيماء أو دلالة إشارة، "إذ مقتضى" وموجب جهة المعنى "الأصلي" قد "تحقق" وتم، وهو المراد من الكلام. "و" أما غيره وهو المعنى التبعي المذكور فالقول به "دعوى بلا دليل" يصحبها "و إن أتى" ما يعد دليلا على صحتها "فـ" إنه "قابل للتأويل" والجواب عنه بما يقتضي أنه ليس ما يدل عليه هذه الدعوى.
والمعنى الأصلي هو ما قصد من الكلام وما سواه فهو تبعي له وأن ما قصد قد عبر عنه بالمجاز، فهو الأصلي المعتبر. هذا بإيجاز رأي من يرى منع أخذ الحكام من هذه الجهة. وانظر في الأصل أدلة أهل هذا الرأي الذي رجحه الشاطبي.