فصل يبين ذلك حتى يتخذ دستورا لأمثالها في فقه الشريعة بحول الله - تعالى -.
"فصل"
في ذكر تلك المسألة الموعود بذكرها، وقد اختار أن تكون مسألة الغصب، وذلك ان الغصب عند الفقهاء هو التعدي على الرقاب والتعدي مختص بالتعدي على المنافع دون الرقاب. "ومن هنا فرق بين" الشخص "الغاصب" وهو الآخذ لمال غيره تعديا بلا حرابة "و" الشخص "المتعدي" - وهو الغاصب للمنافع فقط دون قصد منه إلى ملك الرقاب - "في" نوع "الضمان الواجب" على كل واحد منهما "من قد رأى" من أهل العلم "التفريق" بينهما "مثل" الإمام "مالك" بن أنس الذي نقل عنه انه قال: (إذا حبس المغصوب أو المسروق عن أسواقه ومنافعه ثم رده بحاله لم يكن لربه أن يضمنه. وإن كان مستعيرا أو متكاريا ضمن قيمته (١).
ووجه ذلك أنه إذا كان الغاصب قد قصد تملك الرقاب فهو منهي عن ذلك، آثم فيما فعل من جهة ما قصد، وهو لم يقصد إلا الرقبة. فكان النهي أولا عن الاستلاء على الرقبة. وأما التعدي على المنافع فالقصد فيه تملك المنافع دون الرقبة، فهو منهي عن ذلك الإنتفاع من جهة ما قصد، وهو لم يقصد إلا المنافع، لكن كل واحد منهما يلزمه الآخر
(١) قال القرافي في "الذخيرة"/ ٨/ ٣٢٠/: تنبيه تفريقه بين الغاصب لا يضمن الدابة إذا ردها بحالها، ويبن المستعمر يحسبها أياما، ثم يردها بحالها يضمن، مشكل من وجهين: الأول: إن على اليد ما أخذت حتى ترده، وقد رد ما أخذ فلا يضمن، الثاني: سلمنا الضمان، لكنّ الغاصب ضامن، والظالم أولى أن يُحتمل عليه، وقد جعله أسعد ممن ليس بظالم في أصل وضع اليد، وقد قيل في الجواب: إنّ المعير والمكري أذنا في شيء مخصوص، ومفهومه ولازمه: النهي عما زاد عليه، فيكون النهي فيما زاد خاصا بهذه الزيادة، ونهي الغاصب نهي عام لا يختص بمسافة ولا بحالة، والقاعدة: أنّ النهي الخاص بالشيء أقوى مما يعمه ويعم غيره، يشهد لذلك ثوب الحرير والنجس، أن النجس أقوى في المنع لاختصاصه بالصلاة والصيد والميتة، وأن الصيد أقوى منعا لاختصاصه بالإحرام، ونحو ذلك.