"المسألة الثانية" في أن حكم الرخصة الإباحة مطلقا من حيث هي رخصة.
قال الناظم:"وأن حكم الرخص" مطلقا هو "الإباحة" لا غير "وكم دليل" شرعي ونظري، يدل على هذا "يعضد" أي يقوي "اتضاحه، وبيانه، وذو الرغبة في الاطلاع على ذلك يرجع إلى الأصل - الموافقات -.
"و" أما الذي هو "موهم" كون حكم الرخصة هو "الندب" كالقصر في السفر "أو الوجوب" كأكل المضطر الخائف على نفسه الهلاك الميتة، فهو لا يعترض به على هذا - وهو أن حكم الرخصة الإباحة فقط - لأنه حكم لم تقتضه هي، ولم يبن عليها، وإنما هو "آت" في الشرع على هذا الذي هو عليه من ندب أو وجوب بناء "على أصل" آخر مجلوب "له" و"مطلوب" بمقتضى حاله ومحله.
كالمضطر الذي اقتضى حاله بحكم خوفه من الهلاك أن يبني حكمه على أصل آخر - بعد ثبوت جريان الحكم بالرخصة - وهو حفظ النفس، وهذا الأصل اقتضى حكم الوجوب في أمره، وليس الرخصة التي حكمها الإباحة فقط.
قال الشاطبي: "إن المضطر الذي لا يجد من الحلال ما يرد به نفسه أرخص له في أكل الميتة قصدا لرفع الحرج عنه، ردا لنفسه ألم الجوع. فإن خاف التلف وأمكنه تلافي نفسه بأكلها، كان مأمورا بإحياء نفسه".
لقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}[النِّسَاء: ٢٩] كما هو مأمور بإحياء غيره من مثلها، إذا أمكنه تلافيها؛ بل هو مثل من صادف شفا جرف يخاف الوقوع فيه، فلا شك أن الزوال عنه مطلوب؛ وإن إيقاع نفسه فيه ممنوع. ومثل هذا لا يسمى رخصة؛ لأنه راجع إلى أصل ابتدائي.
فكذلك من خاف التلف إن ترك أكل الميتة، هو مأمور بإحياء نفسه. فلا يسمى رخصة من هذا الوجه، وإن سمي رخصة من جهة رفع الحرج عن نفسه.