في أن المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية أو درء مفاسدها العادية.
"تعتبر المصالح الدنيوية""المجتلبة شرعا أو" - بمعنى الواو - أي و"المفاسد المجتنبة" شرعا.
كذلك "من حيث أن تقام" بها "حال الدنيا" ونظامها على وجه تكون به خادمة "لـ" كسب وتحصيل مصالح "الدار الأخرى" التي هي النجاة من النار ودخول الجنة "عملا وسعيا" - تمييز محول عن المجرور - يعني أن إقامة مصالح الدنيا بحيث تكون لكسب مصالح الآخرة يكون بالعمل والكسب. فكل ما أمر الشارع بحفظه من مصالح هذه الدنيا يجب صرفه لتحصيل مصالح الدار الآخرة، فالعقل والبدن والمال والنسل يجب أن يستحضر في الاعتبار أن الشارع ما أمر بحفظها ليصرف العمل بها في تحصيل الأهواء ودرء الشهوات والتمتع بالملذات وغير ذلك من منافعها العاجلة مع قطع النظر عن الغاية - الشرعية من الأمر بحفظها؛ وإذا علم هذا فإنه لا يعتد شرعا بحفظ هذه المصالح إلا إذا تحققت بها هذه الغاية الشرعية، إذ هي الجهة المعتبرة شرعا في هذا الشأن.
"لا جهة الأهواء" التابعة "للنفوس" سواء "في جلب نعماء" عاجلة "أو دفع بؤس" ضر عاجل فقط كيفما كان ذلك كله.
فصل في أن هذه المسألة إذا فهمت بها أمور، منها: فهم كثير من آيات القرآن وأحكامه: كقوله - تعالى -: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: ٢٩] وقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}[الجاثية: ١٣] وما كان