قال - رحمه الله -: "ومذ تبدى" أي ظهر واضحا مما تقدم إيراده فيما سبق من الكلام "أن قصد الشارع" من وضع هذه الشريعة ماض "في رعي" وقصد "ما" من الشرائع والأحكام "يعود" يرجع "بالمنافع" على الخلق إن عملوا بها ولذلك "فهو" أي الوضع المذكور وقع "على وجه له" بها أي تلك المقاصد "التئام" اجتماع، وتوافق، وتكامل "وليس يختل" يضطرب "به نظام" لها، ولا بحسب الكل لا بحسب الجزء، وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات أو الحاجيات أو التحسينات.
فإنها لو كانت موضوعة بحيث يمكن أن يختل نظامها أو تختل أحكامها، لم يكن التشريع موضوعا لها؛ إذ ليس كونها مصالح إذ ذاك بأولى من كونها مفاسد، لكن الشارع قاصد بها أن تكون مصالح على الإطلاق، فلا بد أن يكون وضعها على ذلك الوجه أبديا وكليا وعاما في جميع أنواع التكليف والمكلفين وجميع الأحوال وكذلك وجدنا الأمر فيها والحمد لله. ومقتضى هذا الأصل - وهو وضع الشريعة على هذا الوجه - أنه يجب مراعاة هذا الأصل في بناء الأحكام الفقهية بحيث لا يختل فيها هذا القصد الشرعي، وذلك إنما يتحقق بالانضباط بالضوابط الشرعيه التي يعلم بها سبل الجمع بين هذه المصالح - مصالح الدارين - ومراعاتها على الوجه الصحيح، فلا يلتفت إلى مصالح الدنيا إلا إذا كانت مما يجب حفظه، وبذلك لا موطن لاتباع الهوى وتغليبه بدعوى الجمع بين هذه المصالح، كما أنه لا يلتفت إلى إلغاء مصالح الدنيا الشرعية في المواطن التي يجب أن تعتبر فيها، وذلك - كما تقدم ذكره - أن هذه الشريعة صالحة لكل حال ولكل زمان، ومكان فلكل فيها حمكه الذي لا يخالف مقتضاه انتظام هذه المصالح على الوجه التام (١).