وهو معنى موافق للنقل والعقل، لا خلاف فيه بين العقلاء. فإن قيل: فما حكم المستفتي مع هذا المفتي الذي لم يطابق قوله فعله؟ هل يصح تقليده في باب التكليف أم لا؟ بمعنى أنه يؤخذ بقوله ويعمل عليه أو لا؟ فالجواب أن هذه المسألة مبنية على ما تقدم، فإن أخذت من جهة الصحة في الوقوع فلا تصح، لأنها إذا لم تصح بالنسبة إلى المفتي فكذلك يقال بالنسبة إلى المستفتي. هذا هو المطرد والغالب وما سواه كالمحفوظ النادر الذي لا يقوم منه أصل كلي بحال. وأما إن أخذت من جهة الإلزام الشرعي فالفقه فيها ظاهر: فإن كانت مخالفته ظاهرة قادحة في عدالته فلا يصح إلزامه، إذ من شرط قبول القول والعمل به صدقه، وغير العدل لا يوثق به وإن كانت فتواه جارية على مقتضى الأدلة في نفس الأمر، إذ لا يمكن علم ذلك إلا من جهته، وجهته غير موثوق بها، فيسقط الإلزام عن المستفتي، وإذا سقط الإلزام عن المستفتي فهل يبقى إلزام المفتي متوجها أم لا؟ يجرى ذلك على خلاف في مسألة حصول الشرط الشرعي: هل هو شرط في التكليف أم لا؟ وذلك مقرر في كتب الأصول. وإن لم تكن مخالفته قادحة في عدالته فقبول قوله صحيح، والعمل عليه مبرئ للذمة والإلزام الشرعي متوجه عليهما معا (١).
"المسألة الرابعة"
في بين "و" إيضاح أن "بالغ الذروة" والقمة "في" الاتصاف بشروط "الإفتاء" وفي تحصيل ما يتوقف عليه ذلك من علوم هو "من يحمل الناس" في إفتاءه "على السواء" والاعتدال، فيفتيهم وهو يتوقى طرفي السرف - الإفراط والتفريط - "توخيا" منه وقصدا "لـ" لعمل بما قامت عليه هذه الشريعة وهو الأخذ بـ "أوسط الأمور" والمعهود "في كل ما يليق بالجمهور".