"المسألة الخامسة" في أن المصالح في هذه الدار ينظر فيها من جهتين: من جهة مواقع الوجود. ومن جهة تعلق الخطاب الشرعي بها.
قال الناظم:"مصالح الدنيا" المبثوثة فيها "يرى" أي يعلم "استقرارها" وحصولها "من جهتين" اثنتين ومنهما يقع النظر فيها إذ "بهما اعتبارها" وثبوتها، وذلك "من جهة الوقوع" والحصول لها - أي لهذه المصالح - "في الوجود" والواقع، وهي المصالح التي هي في حقيقة أمرها تخلو من مفاسد تمتزج بها "فالمحض" أي الخالص "منها" الخالي من مفسدة تكدره "ليس بالموجود" على الإطلاق "إذ ليس من مصلحة تحقق" - أصله تتحقق لتاءين حذفت إحدهما تخفيفا - أي تثبت "إلا وللعكس" وهو المفسدة "بها تعلق" وارتباط، فالمصالح المبثوثة في هذه الدنيا كلها مشوبة بتكاليف ومشاق قلت، أو كثرت، تقترن بها أو تسبقها، أو تلحقها، كالأكل والشرب واللبس والسكنى، والركوب، والنكاح، وغير ذلك، فإن هذه الأمور لا تنال إلا بكد، وتعب "ومثلها" أي المصالح المذكورة "في ذلك" وهو كونها غير متمحضة وخالصة في حقيقة أمرها "المفاسد" الدنيوية، فإنها ليست بمفاسد محضة من حيث مواقع الوجود والحصول "قد شهدت بذلك" ودلت عليه "العوائد" فما من مفسدة تفرض إلا ويقترن بها، أو يسبقها، أو يتبعها من الرفق واللطف ونيل اللذات كثير "وأصله" أي أصل هذا الذي عليه مصالح الدنيا ومفاسدها هو "من" حال "وضع هاذي الدار" الذي هو "للابتلاء" أي ابتلاء الخلق "والاختبار" لهم، والتمحيص. قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء: ٣٥]- وقال تعالى -: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك: ٢] وغير ذلك من الآيات الدالة على هذا الأمر.