قال الناظم:"والحق" الواجب على المكلف "في الشرع على ضربين" أي نوعين - باعتبار المستحق - أحدهما "حق" ثابت "لمخلوق" وذلك "كمثل الدين" بفتح الدال، والنفقة الواجبة والنصيحة "وآخر" هو الحق الذي "لله" تعالى على خلقه وذلك "كالصيام" والحج "وكل ما حد" وضبط على قدر معين أو هيئة مخصوصة. وهذا الضرب الأول باعتبار التحديد والتعيين "فإنه دين على المكلف ولازم ذمته" لا ينفك عنه طلبه "حتَّى يفي" ويؤدي ما عليه من ذلك "إذ ما يحد وقتا" يعني ذلك لأجل أن ما حدد الشارع وقتا لفعله "أو يقدر" يعني: أو ما هو مقدر شرعا بقدر معين "بالقصد للأداء" لذلك المعين "مشعر" إذ ذاك القصد من فوائد ذلك التحديد والتعيين الظاهرة. "و" أما الضرب الثاني بالاعتبار المذكور وهو "غير ما قد حدّ" شرعا وذلك كالصدقات وسد الخلات وسائر فروض الكفايات فهو يطلب الإتيان به فقط "وما له في ذمة" المكلف "ترتب" ودوام لزوم طلب بلا انفكاك، إنما لم يترتب ذلك في الذمة لأمور:
أحدها: أنها لو ترتبت في ذمة المكلف لكانت محدودة معلومة، إذ المجهول لا يترتب في الذمة، ولا يعقل نسبته إليها فلا يصح أن يترتب دينا. وبها استدللنا على عدم الترتب، لأن هذه الحقوق مجهولة المقدار، والتكليف بأداء ما لا يعرف له مقدار تكليف بمتعذر الوقوع وهو ممتنع سمعا. ومثاله الصدقات المطلقة، وسد الخلات، ودفع حاجات المحتجين، وإغاثة الملهوفين، وإنقاذ الغرقى، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويدخل تحته سائر فروض الكفايات. فإذا قال الشارع {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}[الحج: ٣٦] أو قال اكسوا العاري أو: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[البقرة: ١٩٥] فمعنى ذلك طلب رفع الحاجة في كل واقعة بحسبها، من غير تعيين مقدار. فإذا تعينت حاجة؛ تبين مقدار ما يحتاج إليه فيها بالنظر لا بالنص. فإذا تعين جائع فهو مأمور بإطعامه وسد خلته؛ بمقتضى ذلك الإطلاق؛ فإن أطعمه بما لا يرفع عنه