" و" أما "المأخذ الأول" فإنه "جاري القصد" - فيه إضافة الصفة للموصوف - يعني القصد جار فيه "على اطراحه" أي المكلف، ونبذه "لحق العبد" في مقتضى الأوامر والنواهي، "و" هذا المأخذ "هو" مأخذ "صحيح" شرعا "بالدليل الآتي" أي الوارد "من مقتضى" وحكم "الأخبار" أي الأحاديث النبوية الواردة في ذلك كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. جف القلم بما هو كائن. فلو اجتمع الخلق على أن يعطوك شيئا لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه، وعلى أن يمنعوك شيئا كتبه الله لك لم يقدروا عليه" الحديث؛ فهو كله نص في ترك الاعتماد على الأسباب، وفي الاعتماد على الله، والأمر بطاعة الله. وأحاديث الرزق والأجل كقوله:"اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب في ابن صياد:"إن يكنه فلا تطيقه".
وقال:"جف القلم بما أنت لاق" وقال: "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صفحتها، ولتنكح فإن لها ما قدر لها" وقال في العزل "ولا عليكم أن لا تفعلوا، فإنه ليست نسمة، كتب الله أن تخرج إلا هي كائنة" وفي الحديث "المعصوم من عصم الله" وقال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزني أدرك ذلك لا محالة" إلى سائر ما في هذا المعنى مما هو صريح في أن أصل الأسباب التسبب، وأنها لا تملك شيئا، ولا ترد شيئا، وأن الله هو المعطي والمانع، وأن طاعة الله هي العزيمة الأولى.
"و" ما ورد من "الآيات" الدالة على أن المطلوب من العبد التعبد بإطلاق، وأن الله ضمان الرزق، كان ذلك مع تعاطي الأسباب أولا كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)} [الذّاريَات: ٥٦، ٥٧] وقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (١٣٢)} [طه: ١٣٢].
فهذا واضح في أنه إذا تعارض حق الله وحق العباد فالمقدم حق الله، فإن حقوق العباد مضمونة على الله تعالى، والرزق من أعظم حقوق العباد، فاقتضى الكلام أن من