" وكم" - للتكثير - "بذا" أي هذا "الباب" وهو إطلاق النسخ على ما ذكر "لهم" أي لهؤلاء المتقدمين "من مسألة" ساروا فيها على هذا وهي "ليست" من حيث فهم مقصدهم فيها بناء "على" مقتضى "اصطلاحهم" هذا "بمشكلة" بل هي واضحة مستبانة.
وكم "من" قول صادر عنهم وهو "مقتض" من جهة دلالته اللفظية، ومفيد "لـ"ـوقوع "النسخ بالأخبار" - جمع خبر وهو - هنا - ما ليس إنشاء "و" كذلك لـ"النسخ فيها وهو" أي النسخ "غير جار" فيها، لأن الأخبار لا تنسخ ولا تنسخ.
ومن ذلك قول ابن عباس في قوله - تعالى -: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ}[الإسرَاء: ١٨]: إنه ناسخ لقوله - تعالى -: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا}[الشّورى: ٢٠] وهو على هذا التحقيق تقييد لمطلق، إذ كان قوله - تعالى -: {نُؤْتِهِ مِنْهَا}[الشّورى: ٢٠] مطلقا ومعناه مقيد بالمشيئة، وهو قوله - تعالى - في الأخرى {لِمَنْ نُرِيدُ}[الإسرَاء: ١٨] وإلا فهو إخبار، والأخبار لا يدخلها النسخ.
وقال في قوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤)} [الشعراء: ٢٢٤] إلى قوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦)} [الشُّعَرَاء: ٢٢٦] هو منسوخ بقوله - تعالى -: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}[الشُّعَرَاء: ٢٢٧] الآية، قال مكي: وقد ذكر عن ابن عباس في أشياء كثيرة في القرآن فيها حرف الاستثناء أنه قال: منسوخ، قال: وهو مجاز لا حقيقة لأن المستثنى مرتبط بالمستثنى منه، بينه حرف الاستثناء أنه في بعض الأعيان الذين عمهم اللفظ الأول، والناسخ منفصل عن المنسوخ رافع لحكمه، وهو بغير حرف، هذا ما قال، ومعنى ذلك أنه تخصيص للعموم قبله، ولكن أطلق عليه لفظ النسخ؛ إذ لم يعتبر فيه الاصطلاح الخاص.
وقال في قوله - تعالى -: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}[النور: ٢٧] إنه منسوخ بقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ}[النُّور: ٢٩] الآية، وليس من الناسخ والمنسوخ في شيء، غير أن قوله - تعالى -: