والمرشد مقتضاها إلى ما يبنى عليه الحكم ببيان كاف، ولا حاجة إلى اعتبار كون ذلك مؤديا إلى حفظ الفطرة، فاعتبار ذلك وعدمه في ذلك سواء، بل الوجه الذي يمضي عليه في مجرى العمل به في ذلك غير مضبوط، كما هو الحال في شأن العمل بمقتضى المقاصد، فإنه مضبوط مفصل القول فيه، ثابت المعالم والأعلام.
رابعها: البيان لمآخذ ومدارك الآراء والأقوال، فمن المعلوم أنه لا ينسب إلى الإبداع والاختراع ما كان مجترا، أو منقولا.
وهذا لا يمضي عليه الشيخ ابن عاشور، فإن ظاهر كلامه يدل على أن جميع ما يظهره باعتبار أنه من أثمار أنظاره ليس منقولا عن غيره، وأنه هو من ابتكره، وربما صرح - أحيانا - وأنت إذا تأملت في ذلك تجد أن أغلب ما أتى به من ذلك مأخوذ من منهج أو كلام الشاطبي أو غيره، انظر على سبيل المثال إلى قوله بأن الشريعة مبنية على المصالح، وإلى تقسيم المصلحة، وإلى ما وصف به الشريعة من العموم وغيره.
وأما ما انفرد به من الاستنتاجات الذهنية فإنها محل نظر، وبحث، كقوله في شأن ترك غسل الشهيد، والمحرم. وما جرى مجراه، مما يقوله من عند نفسه، أو يكون مما نقله عن غيره واختاره، وهو مرجوح في واقع الأمر. ومن أنصف ونظر في كلامه أدرك هذا بلا شك.
خامسها: الجريان على مقتضيات الواقع. وهذا قد أسقطه - رحمه الله - إذ ذهب إلى القول بأن معرفة المقاصد مستقل عن علم الأصول، وهذا لا يخفى سقوطه، إذ من المعلوم أن بناء الحكم الفقهي لا يمكن أن يحصل برعاية المقاصد وفق ما تقتضيه العقول فيها فقط، بل المحكم في ذلك هو النص الشرعي، وهذا بين أمره في المصالح الملغاة شرعا، والعقل البشري حاكم باعتبارها.
وإذا كان المحكم في ذلك هو النص الشرعي ثبت أنه لا مفر من إعمال علم الأصول في هذا الشأن لتعلق علم الدلالة وترتيب الأدلة ومعرفة الدليل التام، وقوته الحجية وغير هذا بذلك.
وخفاء المصلحة الحقيقية على عقل الإنسان وقصر العلم بها على الشارع أمر