الاعتراضات والإيرادات التي قد يسوقها المخالف، وإن كان ذلك على سبيل الافتراض، ثم يوجب عنها، وبذلك يحيلك على التأمل والنظر معتمدا في كل رأي له عرضه على ما تحكم به الأدلة وتوجبه، جاعلا ذلك المعيار الذي عليه المدار، والاعتبار.
ولا يخفى ما يؤخذ من ذلك ويقطف من فوائد علمية، وما يوصل إليه من كسب للملكة العلمية في هذا الشأن.
وعلى هذا السبيل مضى علماء الأمة، وانتهى إليه بناؤهم للمعرفة، وهو ما لا يمكن الاستغناء عنه بأي حال، وكل كلام لم يجر عليه فهو ساقط الاعتبار، لا مبالاة به على الإطلاق.
ثاني هذه المبادئ: الأسلوب العلمي الذي أساسه وسداه ولحمته مراعاة مقتضى الأدلة وحكمها، فلا يصار إلى الجزم في المظنونات، ولا إلى الاستخفاف بقول المخالف دون إسقاط ما بني عليه من الأدلة والحجج. كما يجب الإنصاف في الأحكام، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإن أتى المتكلم برأيه فليعرضه على الناس بصيغة تدل على أنه لا يراه صوابا وحقا مطلقا، وإنما هو رأي كسائر آراء الناس، فكونه باطلا أمر وارد، وعلى أنه معروض على الناس ليزنوه ويقوموه، ويحكموا عليه بما يستوجبه حاله.
وهذا أمر قد أخل به الشيخ ابن عاشور في أسلوبه في ذلك إذ يورد ما يراه بأسلوب يفهمك أن ذلك أمر مقطوع به مجزوم بمقتضاه، وهو في واقع الأمر لا يتخطى أن يكون أمرا مظنونا وذلك إن قلنا أنه معتبر ومعتد به أصلا.
ثم إنه يجري الكلام على سنن الآمر والناهي الواعظ مستعملا لفظة (على الفقيه).
وغير ذلك من الأمور القوادح في الأسلوب الذي مضى في كتابه هذا.
ثالثها: المنفعة، فهو يرى أن رد المقاصد إلى حفظ الفطرة أمر مفيد، إلا أن المتأمل في ذلك يدرك أن معرفة ذلك والجهل به سواء، لأن ما به الاستداد والاستبصار في بناء الأحكام الفقهية هو معرفة اعتبار الشارع لهذه المقاصد المفصل الكلام فيها عند المتقدمين، لأنها المعينة للأمر المعتبر في محل النظر،